Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الواقعية والأخلاق في العلاقات الدولية

A A
انتقدت في مقالي السابق ازدواجية الغرب وتناقضاته خلال الأزمة الأوكرانية مع كثير مما ينادي به من قيم ومبادئ تتعلق بحقوق الإنسان، والتسامح ونبذ العنصرية وإنسانية الثقافة، وحيادية الرياضة وحرية الإعلام وغيرها، وكان للبعض رأيٌ آخر مُكرِّرين عبارات من قبيل: «السياسة لا تعرف سوى لغة المصالح»، «لا وجود للأخلاق في السياسة»، «في العلاقات الدولية علينا أن نكون واقعيين ونترك المثاليات والقِيَم جانبا».. والواقع أن هذه العبارات تتكرر على مسامعنا مع كل أزمة دولية، صغيرة كانت أم كبيرة، لدرجة أصبح معها مجرد الحديث عن «الأخلاق» في أي شأن من شؤون «العلاقات الدولية»؛ يُوصف بالسذاجة، وبالبُعد عن الواقعية.. فما مدى صحة ذلك؟!.

الحقيقة، أن كثيراً ممن يُردِّدون تلك العبارات، يفعلون ذلك لمجرد كونها تدعم وجهات نظرهم وقناعاتهم حيال قضايا دولية محددة، وسرعان ما نجدهم أنفسهم تعلو أصواتهم بعبارات «الأخلاق» و»القيم والمبادئ» و»الإنسانية» عندما يكون ذلك يصب في مصلحة قناعاتهم في قضايا دولية أخرى.. وهذا بالتأكيد لا يعني عدم وجود آخرون يؤمنون فعلا بأسس المدرسة الواقعية realism التي يصف (بعض مفكريها) العلاقات الدولية بأنها عبارة عن صراع مستمر لزيادة قوة الدولة واستغلالها بالكيفية التي تُمليها مصالحها، دون أي اعتبار للقيم والمعايير الأخلاقية، ولا لتأثيرات ذلك على مصالح الدول الأخرى.

ما أود قوله، هو أني لا أختلف مع أحد في أهمية «المصالح الوطنية» و»الواقعية السياسية» في العلاقات الدولية، ولكني أختلف مع الترديد المبالغ فيه لعبارات يُفهم منها تجريد تلك العلاقات من الأخلاق، إما لأهداف شخصية، أو أخذاً برأي الطرف الراديكالي (الميكافيلي) للمدرسة الواقعية، دون إدراك بأن هذه المدرسة طرأت عليها كثير من التغييرات الجذرية، فالمدرسة الواقعية الكلاسيكية مثلاً رغم تبنِّيها لمفهوم المصلحة الوطنية، إلا أنها لا تُنكر وجود الأخلاق في العلاقات الدولية، وهي ترفض فقط «الأخلاقوية» أو الخطاب الأخلاقي المجرَّد الذي لا يأخذ في الاعتبار واقع وحقائق السياسة على الأرض.

من ناحية أخرى، فإن «الواقعية» ليست هي المنهج الوحيد في العلاقات الدولية، فهناك العديد من المناهج الأخرى، منها مثلا المنهج «المثالي» idealism الذي يقوم على مبدأ سلطة القانون والنظام الدولي، وهو يتجلَّى كمثالٍ في ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على مبدأ نبذ العنف والعدوان، وحل الخلافات بين الدول بالطرق السلمية.. وجميع هذه المناهج تتضمن نقاط قوة ونقاط ضعف، ولكل منها مؤيدوه ومنتقدوه.

الخلاصة هي أن وجود الكثير من الممارسات غير الأخلاقية في تعاملات الدول مع بعضها البعض؛ لا ينبغي وصفه لأي سبب بأنه (واقعية) مقبولة.. والأخلاق هي مُكوِّن أساسي في العلاقات الدولية وفي مدارسها المختلفة، بما في ذلك المدرسة الواقعية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store