Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

القتال غير الجهاد

A A
يخلط الكثير من المفسرين والفقهاء والمؤرخين بين المقصود بمفهومي الجهاد والقتال حيث يذهب الكثير منهم إلى أنهما لفظان مترادفان يخضعان لحكم واحد بينما الحقيقة أنهما غير ذلك في طبيعة الفعل وكذلك الأجر والمثوبة المبتغاة، حيث إن القرآن الكريم لا ترادف فيه وكان من نتيجة ذلك الخلط حدوث الكثير من التشويه لصورة الدين الإسلامي الناصعة وحتى بالمفهوم الدارج لهما والذي أدى إلى ارتكابهم للكثير من ممارسات التكفير والقتل والتفجير التي حدثت تحت مظلة خلط المفهومين الذي اتَّسع وتشعَّب حتَّى ارتبطا ارتباطًا وثيقًا فكان ذلك ذريعة سهلة ومشاعة التنفيذ لبعض ممارسي القتل والتفجير الذين أزهقوا مئات الآلاف من الأرواح البريئة مما يعد مخالفة صريحة لقول الله تعالى (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، فالنفس هنا لم تحدد ملة صاحبها مما يدل على أنها للبشرية جمعاء.

فالقتال كما توضحه آيات القتال يكون في ميدان المعركة بمختلف أنواع الأسلحة لكل من يعتدي أو يحاول الاعتداء على المسلمين أو يحارب أو يحرض على محاربة الدين الإسلامي كما تؤكده آيات القتال التالية:

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، وقال تعالى (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)، وقال تعالى (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا)، وقال تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، وقال تعالى (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وقال تعالى (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) وقوله تعالى (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ)، وقال تعالى (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).

أما الجهاد فهو من الفعل جاهَدَ وهو بذل الجهد والمشقة في طلب المراد أو دفع المكاره الدنيوية وفي الشرع هو بذل الجهد في كل ما من شأنه طاعة الله تعالى وكسب رضاه وللجهاد صور مختلفة كجهاد النفس على متاعب الحياة وجهاد المال وجهاد العمل وجهاد الدعوة إلى الله وجهاد بالكلمة وجهاد بالقلم بينما القتال له صورة واحدة فقط تكون في ميدان المعركة.

وهذه الآيات التي ورد فيها لفظ الجهاد:

قال تعالى (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وقال تعالى (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وقال تعالى (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ). ومن الآيات السابقات عن القتال والجهاد نستطيع القول: إن الجهاد غير القتال حتى لو كان في سبيل الله فالجهاد يخص مكابحة الفرد لشهواته وللمحرمات ولكل ما من شأنه رفع كلمة الحق أما القتال فهو ما يحدث في ميدان المعركة.. والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store