Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

حين يُخير الطفل بين أبويه!!

A A
أستأذن القراء الأعزاء، بمشاهدة هذا المقال لا قراءته، هيئوا الأجواء وجهزوا الفشار واطفؤوا الأنوار: إنه المقال الذي يعرض حكاية امرأة تروي بألم وحرقة وقائع الجلسة الأخيرة لقضية الحضانة التي اضطرت لرفعها ضد طليقها بعد ما حرمها من رؤية أطفالها نكاية بها، ليستدعي القاضي الأبناء الخمسة ويخيرهم بين حضانة أمهم أو أبيهم، قبل أن تتوالى الأحداث المشوقة ويعيش الأطفال أصعب لحظة بحياتهم!

حسناً: أيهما ترغب في العيش معه؟!

كان هذا السؤال الأول والصادم الذي وجهه القاضي للابن الأكبر الذي أكمل منذ أشهر قليلة عامه السادس عشر، ليجيبه وقد خنقته العبرة، مرة يلتفت لأمه حانياً ومرة يلتفت لوالده لائماً، أرجوك دعني للأخير يا فضيلة القاضي حتى أرى اختيار بقية إخوتي!

هنا انتقل القاضي للبنت التي تليه وسألها: كم عمرك وبأي صف تدرسين، وأيهما ترغبين في العيش معه؟!.

عمري 14 وأدرس ثاني متوسط، وأرغب في البقاء مع والدي الحنون الذي يحبني من كل قلبه، ولا يرد لي طلباً مهما كان، ولا أتصور العيش بعيداً عنه للحظة، فهو كل عمري وحياتي!؟

بعدها نظر القاضي للولد الذي يليها وسأله: كم عمرك وبأي صف تدرس، وأيهما ترغب في العيش معه؟.

عمري 11 وأدرس بالصف الخامس، وأتمنى العودة للعيش مع أمي لأنها تجهز الطعام، وتذاكر لي الدروس، وتلعب معي بالجوال، وقد اشتقت لحضنها الدافئ!

حسنًا، حسنًا، وأنت يا شاطر ما أسمك، وبأي صف تدرس، وأيهما ترغب في العيش معه؟!.

أنا عمري، أنا عمري..

قالها الطفل الصغير خائفاً، وهو ينظر لوالديه، ليستدرك القاضي: أنت تدرس؟

أيوه أنا صف ثاني..

طيب ومن تحب أكثر أمك والا أبوك؟ لا أنا أحب بابا!!

هنا شعرت الأم بأنها خسرت الحضانة، موضحة بأنها لو كانت تعرف ما عرضتهم لهذا الموقف الصعب الذي تتفطر منه الجبال فكيف بقلوب أطفالها الصغار، حينها حمل القاضي البنت الصغيرة آخر العنقود والتي لم تكمل عامها الخامس، وهي الأكثر قرباً وحباً لأمها، ودخل بها للمختصر هي والأخ الذي يكبرها، ثم عاد وأوقفها في المنتصف بين والديها، لتهرول مسرعة باتجاه الأم وترتمي بحضنها باكية، ليهز القاضي رأسه وقد تفهم ضمنياً اختيارها.

هنا عاد القاضي للابن الأكبر وسأله عن خياره موضحاً له بأنه بات المرجح بعد أن تساوت أصوات إخوته: ليترجل الابن بكلام كبير، وكأنه يعيد تربية والديه:

أبي وأمي طيبان إلا أن كل واحد منهم يبحث عن مصلحته، كل واحد منهم عنيد ويريد الحضانة ليس حباً فينا، وإنما ليحرق قلب الآخر علينا، ومع هذا كله نختار أمنا لأنها الأحن والأحوج إلينا.

عندها: حكم القاضي بأحقية الأم بالحضانة نظراً لمصلحة المحضون، لم تنته مأساة الأطفال عند هذا الحد، بل أعلنت الأم لاحقاً فشلها في احتوائهم، معللة ذلك بتبدل طباعهم وغلاء المعيشة، وأن من حقها كامرأة أن تشوف حياتها، لتعرض على طليقها تنازلها عن الحضانة مقابل انتظامه بنفقتهم واكتفائها بالزيارة!!

وبهذه النهاية المفاجئة والمفتوحة، يمكنك عزيزي القارئ إطفاء الريموت، وإشعال الأنوار، ورفع بقايا الفشار، لحين حلول موعد عرض الأجزاء المتبقية من سلسلة معاناة الأطفال ضحايا الطلاق بمجتمعنا والتي يتوقع أن يكون عنوانها الصادم بالجزء القادم؛ (يعملوها الكبار ويقعوا فيها الصغار)!!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store