Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

مفهوم «أمن السمعة».. وازدواجية المعايير في العلاقات الدولية

A A
نسمع كثيرا عبارات «الأمن المائي» و»الأمن الغذائي» و»الأمن السيبراني»، ويدرك معظمنا تقريبا المقصود من كل منها، ولكن كم منا سمع ويعرف ما هو المقصود بعبارة «أمن السمعة» reputation security؟.

لنتخيل معا عائلة صغيرة في إحدى المدن تعرض منزلها للغرق بفعل كارثة طبيعية، نتج عنها إصابات ودمار للمنزل وأثاثه.. أو لنتخيل أن تلك العائلة تعرضت لاعتداء في وضح النهار من قبل عصابة من الأشقياء، قامت بضرب أفرادها ونهب ممتلكاتهم.. كيف ستكون ردة فعل الناس في تلك المدينة، وهل سيهرع أحد لعونهم ونجدتهم، وبأي قدر وشكل؟.

حسنا، هل ستختلف درجة العون والمساعدة فيما لو افترضنا أن العائلة المنكوبة كانت طيبة السمعة وتحظى بحب واحترام الناس، عن درجة ذلك العون فيما لو أن تلك العائلة كانت سيئة السمعة، وليس لها رصيد احترام في قلوب الناس؟.

من المحتمل أن العائلتين (طيبة وسيئة السمعة) ستحظيان بالمساعدة، ولكن المنطق يقول بأن الأولى ستنال تعاطفاً وعوناً واهتماماً أكبر بكثير من الأخرى سيئة السمعة، والتي قد لا تجد مَن يمد لها أي يد للعون.

وفي العلاقات الدولية لا يختلف الحال كثيرا، فالمنطق يقول إن الدول حسنة السمعة تجد عوناً أكبر عند تعرضها للأزمات والكوارث الطبيعية، أو الناتجة عن اعتداء من قبل دولة أخرى، وبالتالي فإن من المهم لتلك الدول -خاصة الأصغر حجما وقوة- بناء سمعة دولية جيدة تكون بمثابة رصيد إيجابي لهم في ذاكرة الدول الأقوى، لمد يد العون لهم عند الحاجة، وهو ما يُسمَّى بعبارة أخرى مفهوم «أمن السمعة».

وكالعادة في كثير من الممارسات الدولية على أرض الواقع، فإننا نجد هنا أن هذا المفهوم يتأثر دوماً بمصالح الدول الأقوى، وتفسيراتها له وفقا لتلك المصالح.

فعلى سبيل المثال، في عام 2019 وصف الكاتب المعروف «نيكولاس كول» أمن السمعة بأنه «مكان مرتفع في ذاكرة واهتمام العالم»، وأشار حينها إلى أن ابتلاع روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، مر بدون عقاب واهتمام، نتيجة لأن أوكرانيا لا تملك «أمن سمعة»، وذلك بعكس كوسوفو وكازاخستان وسنغافورة مثلا، والذين تمكنوا -حسب قوله- على مدى سنوات من بناء خطوط ترابط وتواصل دولي، وفرت لهم ذلك النوع من «الأمن».

السؤال البديهي هو: ما الذي تغير اليوم بالنسبة لأوكرانيا وجعلها تصبح محط اهتمام ودعم دولي غير مسبوق عند غزو روسيا لها؟، الإجابة في رأيي هي أن ما تغير هو فقط مصالح وحسابات بعض الدول العظمى تجاه ذلك البلد، مما رفعها في نظرهم إلى مرتبة دولة «طيبة سمعة» مؤهلة للعون والمساعدة.

وهو تماما ما عبر عنه سمو وزير الخارجية السعودي في حواره المنطقي مع المفوض الأوروبي حول ازدواجية معايير المجتمع الدولي في تعامله مع مدينتي حلب السورية وماريوبول الأوكرانية، واللتان عانتا من التدمير من قبل القوات الروسية، وتم التعامل معهما بمكيالين مختلفين كليا.

كلمة أخيرة: أخلاق السياسة، والسمعة الدولية الطيبة سوف تظلان في صراع أزلي ومستمر مع النفاق الدولي ومصالحه وازدواجية معاييره.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store