Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

كيف نحمي أموال المستثمرين العرب في الدول الغربية؟

A A
من الأمور التي استوقفتني في الأزمة الأوكرانية الروسية؛ تجميد ومصادرة أموال الدولة الروسية وأموال رئيسها في البنوك الغربية، وكذلك مصادرة أموال المستثمرين الروس «شركات وأفراداً».

بل حتى ممتلكاتهم العقارية واليخوت لم تسلم من الاستيلاء عليها.. فأصبحت أموال الروس الموجودة في البلاد الغربية مستباحة للأمريكان والأوروبيين تحت ستار «العقوبات الاقتصادية على روسيا»، من جراء عمليتها العسكرية على أوكرانيا.. فلقد عمد القادة الغربيون إلى تجميد أصول البنك المركزي الروسي، مما حدَّ من قدرته على الوصول إلى 630 مليار دولار من احتياطاته.

ومنعت بريطانيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة المواطنين والشركات لديها من إجراء أي تعاملات مالية مع البنك المركزي الروسي، أو وزارة المالية الروسية، أو صندوق الثروة السيادي الروسي.. وتضمنت العقوبات إبعاد بعض البنوك الروسية عن نظام سويفت الذي يسمح بتحويل الأموال بشكلٍ سهل بين الدول المختلفة، وهو الأمر الذي سيُعيق قدرة روسيا على الحصول على عائدات بيع نفطها وغازها، كما فرضت بريطانيا عدة عقوبات إضافية على موسكو من بينها: تجميد أصول كافة البنوك الروسية، وإصدار قوانين لمنع الشركات والحكومة الروسية من الحصول على أموال من الأسواق البريطانية، وبدوره أعلن الاتحاد الأوروبي عن فرض عقوبات تستهدف 70 في المئة من السوق المصرفية الروسية، وكبريات الشركات المملوكة لروسيا.

وهناك عقوبات استهدفت عددًا من الأشخاص البارزين في روسيا، فقد استهدفت الولايات المتحدة أصول ثمانية أشخاص من الأوليغارش والمسؤولين الروس، بما في ذلك رجل الأعمال أليشر عثمانوف، وفرضت أستراليا عقوبات على الأثرياء الروس، و380 من البرلمانيين الروس.. وأطلق الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا فريق عمل عبر المحيط الأطلسي؛ لتحديد وتجميد أصول الأفراد والشركات الخاضعة للعقوبات، فهذه العقوبات تجعل أصحاب الأموال العربية المودعة في البنوك الغربية والمستثمرة في الدول الغربية في غاية القلق؛ إذ لا يوجد قانون دولي يحمي هذه الأموال من التجميد، أو المصادرة.

وهذا يدعوني إلى هذا التساؤل: ما مصير أموال وشركات المستثمرين العرب - دول وأفراد وشركات - في أمريكا وكندا وأوروبا وأستراليا، وذلك عندما تفتعل الإدارة الأمريكية أحداثًا تُبرِّر من خلالها فرض عقوبات على أيٍّ من الدول العربية، فعلى سبيل المثال، دبّرت المخابرات الأمريكية مع الموساد الإسرائيلي في 11 سبتمبر عام 2001 تفجير برجي مانهاتن في نيويورك، وألصقته بتنظيم القاعدة، على أنّه هو الذي نفّذه من خلال 19 رجلًا معظمهم سعوديين، لتتهم السعودية بضلوعها في تلك الأحداث، ووضعت قانون جاستا لمحاولة فرض عقوبات على المملكة لتُلزمها بدفع تعويضات لأهالي الضحايا، وهدّدت بتجميد أصول المملكة لديها إن امتنعت عن دفع التعويضات، وهو ما لم تسمح به قيادة المملكة آنذاك.. في حين لم تُفرض عقوبات قط على إسرائيل وفرنسا وبريطانيا بعدوانها الثلاثي على مصر عام 1956م مثلاً؛ لتأميمها قناة السويس، التي تعود ملكيتها للدولة المصرية أصلاً، كما لم تفرض عقوبات على إسرائيل بعدوانها على الضفة الغربية لفلسطين، وعلى مصر وسوريا في 6 يونيو 1967م، الذي نتج عنه احتلالها للقدس، وشبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، وهضبة الجولان. كما لم يفرض أحد أية عقوبات على أمريكا نفسها لغزوها أفغانستان عام 2001م، وغزوها مع بريطانيا للعراق 2003، مع أنّها قتلت وهجّرت الملايين، وسرّحت جيشه، ودمرّت البُنية التحتية للعراق.. فمطرقة العقوبات بيد الولايات المتحدة، ومن تريد عزلته وتحطيم اقتصاده، تُسلطها على رأسه لتحطمها، فقد تبيّن أنّ كندا وأوروبا وأستراليا تابعة للإدارة الأمريكية، ولا تملك استقلالية القرار، بدليل أنّها فرضت عقوبات على روسيا أضرّت باقتصادها، فزادت نسبة البطالة لديها بإغلاق الشركات الروسية وقنواتها وإذاعتها بها، مع ارتفاع نسبة التضخم في بلادها، وكما قال أحد البرلمانيين الألمان: «إنّ أوروبا بعقوباتها على روسيا قد لطمت وجهها بيديها».

فما حدث لروسيا إثر عمليتها العسكرية على أوكرانيا، يجعل أيضاً رؤوس الأموال العربية – دول وشركات وأفراد - في غير مأمن من اليد الطُّولَى للإدارة الأمريكية وكندا والدول الأوروبية وأستراليا، لذا أقترح الآتي:

- أن تبدأ الدول العربية وأفرادها الذين لديهم استثمارات في الدول الغربية وأستراليا أن تُقلِّل من استثماراتها فيها، مع نقل استثماراتها إلى دول شرقية.

- أن تسعى جامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي لدى الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية لإصدار قانون دولي يحمي أصول واستثمارات الدول ورجال أعمالها من المصادرة، فتلك الأموال يملكها أصحابها، ولا يحق لأي دولة أن تُصادرها لأسبابٍ سياسية وبمعايير مزدوجة، فهناك دول فوق القانون الدولي وفوق العقوبات، وفي مقدمتها أمريكا وإسرائيل، وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي، وكندا وأستراليا..

وأن لا تُفرض العقوبات من قِبَل دول بعينها، وإنّما التي تقررها منظمّات دولية متخصصة، وبإجماع أغلبية أعضائها، ولا يخضع التصويت لها للفيتو.

- أن يُنسِّق مجلس التعاون الخليجي مع عدد من الدول الصديقة لإنشاء جمعية اتصالات مالية عالمية بين البنوك، على غرار نظام سويفت الغربي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store