Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

مشاعر مكة تتألق.. بانتظار ضيوف الرحمن

A A
فرحة غامرة عمَّت أرجاء السعودية عموماً، ومكة على وجه الخصوص، بإعلان السلطات السعودية عن استئناف الحج لحجاج الخارج هذا العام، على أن تكون العودة بصورةٍ متدرجة، بحيث يتم استقبال مليون حاج من الداخل والخارج، في خطوة تعكس بوضوح حجم التقدم الذي حققته المملكة في حملتها على عدو الإنسانية (كوفيد - 19).

لم يكن هناك من حديث يعلو خلال الأيام الماضية وسط أهالي البلد الحرام على هذا الخبر وترديده، فتعالت أصوات التهنئة بينهم، وارتفعت ضحكاتهم، وازدانت وجوههم بابتسامات السعادة والحبور، فقد كشفت تلك الأنباء السعيدة أنهم كانوا يتحرَّقون شوقاً خلال الفترة الماضية للترحيب بضيوفهم الذين يفتحون لهم قلوبهم قبل أبواب منازلهم، ويُشاركونهم اللحظات الجميلة التي تبقى خالدة في ذاكرتهم.

ويُمثّل موسم الحج بالنسبة لأبناء مكة؛ العمود الفقري والمبرر لوجودهم، حيث يدور حوله محور حياتهم بصورةٍ كاملة. ليس لما يُحقِّقونه من أرباح مادية، أو انتعاش في الأسواق، بل إن «المكاويين» - كما يحلو لهم مناداة أنفسهم - يشعرون بأقصى درجات الغبطة والسعادة والاعتزاز؛ وهم يُسخِّرون حياتهم وكافة ما يملكون لأجل إراحة الحجاج، لذلك فإن أقصى درجات الفخر عندهم هي رفعهم لشعار «خدمة الحاج شرف لنا»، الذي تحرص المملكة قيادةً وشعباً على تنزيله حقيقة وواقعاً معاشاً.

ومنذ دخول شهر رمضان، تبدأ الأراضي المقدسة في التأهب لاستقبال طلائع الحجيج، فتأخذ مكة زينتها لاستقبال ضيوفها الكرام، وتفتح أذرعها بحنان فياض لاستقبالهم، وتتبارى السلطات الرسمية مع الأهالي لتقديم كافة أنواع المساعدة، وإبداء الترحيب بالقادمين من شتى بقاع الأرض. تنضح وجوههم بالبِشْر وهم يُمارسون الدور الذي اختصهم به الله سبحانه وتعالى دوناً عن جميع خلقه، فتتلألأ البسمات الصافية فوق وجوههم، ويتسابقون لخدمة قوافل الحجيج، وتقديم كل ما يلزمهم من مساعدة. لذلك ما إن

حملت الأنباء بدء العودة الطبيعية لأعمال الحج؛ بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها المملكة في رحلة القضاء على فيروس كورونا، حتى عم البشر وجوه الجميع، وطغت الفرحة على ما سواها من مشاعر.

ولأن قادة هذه البلاد المباركة يعتزون أشد الاعتزاز بالسهر على ضيوف الرحمن، وضمان سلامتهم، وقضاء مناسكهم بكل سهولةٍ ويسر، فإن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ظل حريصاً على أن يقف على الأوضاع بنفسه، ويتابع كل صغيرةٍ وكبيرة مع الأجهزة المختصة، ويطّلع على خطة الحج السنوية التي تراعي المتغيرات وتستصحب الظروف. بل إن ملوك المملكة تنازلوا عن كافة الألقاب، واختاروا لقب خادم الحرمين الشريفين، إدراكاً لعلوّ منزلته وتفرّده.

لم يكن تقليص أعداد الحجاج خلال السنوات الماضية قراراً عادياً، ولم يكن اتخاذه سهلاً على السلطات المختصة، لكن عندما تفشَّى الفيروس وبات يُشكِّل خطراً على حياة الناس، وأدركت المملكة أن الأمر يتعلق بصحة الحجيج وسلامة مجتمعاتهم، لم تتردد في اتخاذ القرار الصائب، واتبعت تلك الإجراءات الصارمة، لأن أرواح المسلمين خط أحمر وتنال الأهمية القصوى.

ومع أن بعض الدول الإسلامية طالبت خلال السنوات الماضية بتعطيل أداء الفريضة مراعاةً للظرف الطارئ، إلا أن القيادة السعودية الحكيمة أبت إلا استمرارها، بضوابط مشددة وتعليمات واضحة، واقتصرت عدد الحجاج على 60 ألفاً من داخل المملكة، يُمثِّلون كافة دول العالم، وتمسَّكت بقيام موسم الحج وفق إجراءات استثنائية تضمن عدم انتشار الفيروس، وهو القرار الذي وجد إشادة عالمية واسعة لما تضمّنه من بُعد نظر، وتأكيد أن سلامة الحجاج هي أولوية تسبق ما عداها من اعتبارات.

لذلك وما إن بدأت تباشير النصر على الفيروس تلوح في الأفق، وشارفت المملكة على التخلص منه، حتى سارعت إلى إعلان بدء العودة الطبيعية للحجاج، بعد أخذ كل التحوطات اللازمة، ووضع كافة الاحتمالات في الحسبان.

وبإذن الله تعود الأمور إلى طبيعتها عما قريب في العالم أجمع، لتتعالى أصوات ضيوف الرحمن وهم يُردِّدون التلبية في المشاعر المقدسة في أيامٍ مباركة، تؤكِّد أن أمة الإسلام بألف خير، وأن هذه البلاد التي شهدت نزول الوحي، واحتضنت الحرمين الشريفين، لن تنالها أيدي أعدائها بسوء، ولن تعرف غير التقدُّم والرِّفعَة، نظير ما يبذله قادتها وشعبها من جهودٍ جبَّارة لخدمة عُمَّار البيت الحرام، وزوار المسجد النبوي الشريف.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store