Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

فضل الفضيلة

A A
يرى الفيلسوف اللاهوتي (سبينوزا) أنّ الفضيلة والاستقامةَ؛ لا تحتاجانِ إلى ثواب في الآخرة، فالذين ينظرون للفضيلةِ على أنّها عبوديةٌ مفروضةٌ عليهم من الله، ولا بدّ أن يمنحهم جزاءً على قيامهم بهذا الفرْضِ الثقيل، إنّما هم أبعد ما يكونون عن فَهم الفضيلة على الوجه الصّحيح.

وتُعدّ «الوسطيّة» القاعدة الذّهبية لدى (أرسطو) وهو يُطلق عليها اسم «الفضيلة»، وهي -أي الفضيلة- ما يجب أن يسعى إليه الإنسانُ بوصفه مخلوقاً أخلاقيّا وسطيّاً، كما أنّ «الوسطيّة» مفهومٌ إسلاميُّ بامتياز، وُصِفت به الأمة المُسلمة في القرآن، وأشارت إليه المرويات الإسلامية بوصفه بين الغلوّ والتساهل، والإفراط والتفريط.

واللافت للنظر ما قرّره (ديكارت) بقوله: «لقد لاحظتُ عندما كنتُ في موضعٍ للاختيار بين الفضيلة والرّذيلة، أنّ ميولي الطبيعية غالباً ما كانت تقودني للجانب الأسوأ»، وهو ما يُظهر أنّ الفضيلة اختياراً ليس مُتاحاً لمعظم الناس، فكثيرون تدفعهم منافعُ ومصالح شخصية لاختيار الفضيلة، أو أنّهم يخشون نوعاً من العقاب، ويمنعهم الخوفُ من اختيارهم الرّذيلة، وعلى قدر أهمّيتها النفسية والاجتماعية، إلا أنّ المنافعَ والعواقب، لا تدلّ بالضرورة على الإنسان الفاضل، ففعل الخير يجب أن يكون لذاته، وليس لأنّ له أجراً أو منفعة، كما أنّ تجنّب الشرّ واجب لكونه رذيلة، وليس لأن له عقابا.. الفضيلةُ لا تُبرّر.

يُنبّه الشيخ (محمّد الغزالي) على أنّ «لإكراه على الفضيلةِ لا يصنعُ الإنسانَ الفاضل، كما أن الإكراه على الإيمان لا يصنعُ الإنسان المؤمن، فالحرّية النفسية والعقليةُ أساس المسؤولية». وعموماً، يبدو أننا لا نُولد أخياراً أو أشراراً، لكننا نُولد بقدرتنا على اكتسابِ الفضيلةِ أو الرّذيلة، ومن خلالِ العقل، والعاطفةِ، والتعليم، والتربيةِ، والتفاعلِ الاجتماعي، يمكننا تنمية مهاراتنا لأن نكون فُضلاءَ أو دنيئين.

ولدى (أرسطو) رأياً مُهمّاً، فهو يُقرّر أن فضيلة «التأمّل»، هي الفضيلة العُظمى، والتي تحقّق للإنسان الفاضل أقصى درجاتِ السّعادة والحريّة. ومن الواضح أنّ الفضائلَ الأخلاقية تأتي من ضبطِ النفس، والتحكّم في الرّغبات، وإخضاع الشهوات، لذلك كان «التّرف» أوّل دوافع انحسار الفضيلةِ والأخلاق. لكن (نيتشه) يرى، أنكَ لو اخترتَ الفضيلة، فستتنازل عن الامتيازات، إذ يبدو أنّ الفضيلةَ تأتي مع بعض الخسائر المادّية والاجتماعية أيضاً.. والعاقلُ خصيم نفسه!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store