Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

زمزم.. إنجاز وإعجاز

شذرات

A A
من أعالي مكة المكرمة تتدفق المياه إلى البئر المباركة زمزم الذي يختلف ماؤه عن غيره من المياه بأن طبيعته قلوية، فإذا كانت الآبار والأنهار تشتهر بمزية صحية أو دينية أو غير ذلك فلن تتعدى شهرة ماء زمزم، لأنه -كما وصفه سيد البشر- طعام طعم وشفاء سقم، وتاريخه يعود إلى عصر أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، فلا غرو أن يُعنى بهذا الماء المبارك قديماً وحديثاً ويكون محل اهتمام العلماء والمؤرخين، لما حوت زمزم من الأسرار والفضائل، فهو زمزم الخير والبركة.. وفي الآية الكريمة في سورة التوبة: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر).

والمرويات عن زمزم عديدة جداً، وكما قال سيدنا محمد لعمه العباس رضي الله عنه: "أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيراً".

وشهد مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم إنشاء محطة تنقية مياه البئر للمحافظة على خصائص ماء زمزم، وقد سبق هذا المشروع الملك عبدالعزيز -رحمه الله- عندما أنشأ السبيل لسقيا ماء زمزم قبل مائة عام تقريباً، وجاء مشروع الملك عبدالله تلبية للحاجة الى التوسع في تيسير الحصول على ماء زمزم للمقيمين والحجاج والمعتمرين، وتأمين زمزم بكميات أكبر من خلال سحبها من منطقة الاكتظاظ وتنقيتها وتوزيعها آلياً وفق أحدث التقنيات.. ويعتبر عام 1435هـ نقطة تحوُّل لهذا الصرح المبارك، وأسند لشركة المياه الوطنية التشغيل والصيانة.

وظلت هذه البلاد تشرف على استمرار السدانة والسقاية والرفادة التي بدأت في بني هاشم بن عبد مناف واستمرت تتوارثها الأجيال لخدمة قاصدي البيت الحرام وضيوفه.

وسقاية زمزم بدأت في العهد السعودي بتعيين مشيخة للزمازمة، ثم تطورت في ما بعد الى مؤسسة تسمى مكتب الزمازمة الموحد، إلى أن صدر التوجيه الكريم هذا العام 1443هـ بتحويل مؤسسات الطوائف والأدلاء إلى شركات، وأصبحت مهمة السقاية موكلة الى شركة الزمازمة، وتم تشكيل مجلس إدارة لها يُعنى بتقديم أفضل الخدمات لسقاية زمزم، وهي مهمة تخص الزمازمة ولا يفترض أن ينازعهم أفراد أو شركات أخرى فيها، وهي مسؤولية تاريخية وأمانة في أعناق من تولّى هذه المهمة.. هناك رواية قوية عن الشيخ الفاسي نقلاً عن شيخ الإسلام السراج البلقيني أنه قال: إن ماء زمزم أفضل من ماء الكوثر لأنه غسل به قلب النبي عندما عرج به الى السماء، ولم يكن يغسل إلا بأفضل المياه، وهذا ما فعلته الملائكة مع قدرتهم على ماء الكوثر، فاختياره في هذا المقام دليل على أفضليته (وهذا ما رواه ابن حجر الهيثمي).

وقال ابن عباس: "صلوا في مصلى الأخيار، واشربوا من شراب الأبرار"، قيل: ما مصلى الأخيار؟، قال: تحت الميزاب، وقيل ما شراب الأبرار؟، قال: ماء زمزم..

فأكرِم به من شراب، وأكرم بمن سعى بمهام السقاية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store