Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

«الاستيقاظ».. تيار «الصحوة» الأمريكي!

A A
يتردد هذه الأيام بشكل لافت في الأوساط الأمريكية - الإعلامية والأكاديمية والسياسية - مصطلح جديد سريع الانتشار، يُنظر إليه على أنه سيكون شكلاً من أشكال القوة الناعمة الأمريكية التي سوف يمتد تأثيرها بسرعة إلى كافة أنحاء العالم.. وهذا المصطلح هو: «الاستيقاظ» woke أو «تيار اليقظة» wokeism الذي نشرت عنه بلومبيرغ مؤخراً عدة مقالات، حمل آخرها عنوان: (لماذا سيحكم الاستيقاظ العالم؟.. الحركة التي يمكن أن تكون صادرات أمريكا الثقافية العظيمة القادمة).

وبالرغم من أن هذا المصطلح ليس جديد كلياً، إلا أنه بدأ في الانتشار عام 2014، بعد مقتل رجل أسود على يد شرطي أمريكي في مدينة فيرغسون، وقيام حركة «حياة السود مهمة» بنشر وسم بعنوان: «كن يقظاً».. حيث انتشر المصطلح للإشارة إلى أهمية بقاء السود متيقظين حيال أي ممارسات عنصرية مهما كانت بسيطة أو متخفية.. ثم تطور المصطلح ليُصبح تياراً يُنادي بالعدالة الاجتماعية الهادفة إلى حماية جميع الأقليات غير الممثلة في المجتمع، وانتقل بعدها من كونه مجرد كلمة تدعو للوعي والانتباه، إلى محفز للحراك النشط على الأرض؛ للتصدي لكل ما يرونه عنصرية وعدم عدالة.

هذا الحراك الثوري الذي تبنَّاه اليسار الديموقراطي، أفرز ممارسات مختلفة، ووصفه مُعارضوه بأنه لجوء لأسلوب الزعيق والنواح، بدلاً من مواجهة المشكلة وعلاج أسبابها.. كما ظهرت مصطلحات جديدة مناوئة له، مثل مصطلح «شرطة اليقظة» woke police، ومصطلح «إلغاء اليقظة» woke cancel، حيث يشير المصطلح الأول إلى عملية الرقابة على ألفاظ الناس، وقمع حريتهم في التعبير، من خلال تلك الرقابة التي تمارس تفسير ومحاكمة الأقوال على أنها عنصرية وضد العدالة المجتمعية.. ويشير المصطلح الثاني إلى حرمان العديد من الأشخاص - خاصة الفنانين - من أدوارهم ووظائفهم بسبب عبارات قديمة صدرت منهم، أو ممارسات سابقة لهم تم تفسيرها بأنها تحمل أبعاداً عنصرية، أو حتى شاذة.

الأصوات المعارضة لتيار اليقظة لم تقتصر على الداخل الأمريكي فقط، بل إن العديد من السياسيين والمفكرين والأكاديميين الأوروبيين صرَّحوا بخشيتهم من التأثيرات السلبية لتلك الأفكار على مجتمعاتهم، ومن ذلك تصريح لوزير التعليم الفرنسي يدعو فيه لرفض تيار اليقظة ومواجهته، وحماية منظومة القيم والثقافة الفرنسية منه.

بالنسبة لنا، فإني أرى بأن استيرادنا لمثل هذه المفاهيم والمصطلحات يجب أن يخضع قبل قبوله أو رفضه للفهم العميق والتمحيص، وعدم الاكتفاء والانخداع بما تحمله في ظاهرها من مضامين وشعارات جاذبة... والأهم من ذلك أن نكون مبادرين وفاعلين ثقافياً، لا مجرد مستهلكين لصادرات الآخرين الثقافية، وهو أمر منوط بمؤسساتنا الأكاديمية والثقافية ومراكز التفكير والدراسات لدينا.

ختاماً، إذا كانت لبلد مثل فرنسا «ملامح» تراها جميلة، وتستحق الحماية والعناية.. فهل لدينا نحن «ملامح» خاصة محددة نحرص عليها، وما هي؟.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store