Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عجب

علاج مشاهير الفلس

A A
لقد أصبح الظهور الدائم والمزعج لـ(مشاهير الفلس) ليس مقتصراً كالسابق على السوشيال ميديا -بحيث يمكنك تفادي أعراضه- بل تفشى وباؤهم حتى وصل للإعلام المرئي والمقروء والمسموع، لدرجة أنني صرت أخاف أفتح درج مكتبي أو أنظر للمرتبة الخلفية لسيارتي وأجد أحدهم هناك يمارس تفاهاته واستهباله، لقد أصبح ظهورهم الدائم والمزعج بهذه العشوائية أشبه ما يكون بـ(القولون العصبي) أو متلازمة الأمعاء الهيوجة، وهو الخلل الذي يصيب (وظائف المجتمع) ويؤدي لأعراض مؤذية في (الثقافة والمعرفة) مثل (انتفاخ الأنا) و(سوء الفهم) و(تعسر الإخراج)!

إن تفشي (متلازمة مشاهير الفلس) العائد لرغبة التجار أو القنوات أو القائمين على المعارض والمهرجانات لأجل الترويج لأنشطتهم وفعالياتهم، جعل من بناء مجتمعنا هشاً ورخواً، حتى مالت أعمدته وتهاوى سقفه على كل الذين اقتدوا بهم، مما ضاعف من حالات البطالة والطلاق والمظاهر الكذابة!

قد أبدو مكتئباً منعزلاً عن العالم -كما هي موضة تصاريح ضيوف الحوارات الرمضانية- لو طالبت مباشرة بوقف التعامل مع مشاهير الفلس، بعد أن تمكنوا من السيطرة على كل مصادر الثقافة والمعرفة، وأحالوها كالهجر النائية التي يغط ساكنوها في البدائية والجهل المطبق، لهذا سأكتفي بالمطالبة تحت مبدأ (مالا يدرك كله لا يترك جله)، بدراسة تعديل نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، ليتواكب مع ممارساتهم وأجور إعلاناتهم الضخمة.

ولأقرب الفكرة، سأورد لكم تجربة عشتها حين كانت المؤسسات الصحفية في أوجها، كانت تطرح علي كمستشار قانوني قضايا مخالفات إعلامية، استغرب كيف يقع رئيس التحرير ونوابه فيها، كنشر صورة أو اسم شخص دون إذنه مما يعد معه ذلك تشهيرا وإساءة، حتى عرفت مع الوقت بأنها مخالفة مدروسة، حيث يتم توقع مقدار الغرامة التي كانت حينها تقديرية للجنة المختصة، ثم توقع حجم المردود المالي والدعائي من الخبر عند نشره، ومن ثم تحمل العقوبة طالما أنها أقل بكثير من الأرباح، إلى أن تم تعديل نظام المطبوعات والنشر برفع قيمة الغرامة المالية إلى 500 ألف لتنتهي معها مغامرات الجرائد اليومية.

نفس مقدار الغرامة 500 ألف نجدها واردة في (المادة الثالثة) لنظام مكافحة جرائم المعلوماتية والتي تشكل قرابة ثلاثة أرباع مخالفات (مشاهير الفلس)، لكنها بوقتنا الحالي لم تعد رادعة، قياساً بدخلهم الذي عبر عنه أحدهم بأنه يصل 45 مليون بالسنة، مما يجدر معه رفع العقوبة إلى 3 ملايين كحد أدنى، 5 ملايين كحد أعلى، هذا إذا ما أردنا أن نقلم أظافرهم ونعرفهم قدرهم ونعيدهم للطريق السوية، وإذا ما أردنا أن نخلق مصدر دخل مربح لصندوق الدولة، ونحد من (الإثراء بلا سبب) وأي احتمالية لارتباط هبل بعضهم بجرائم غسيل الأموال والإرهاب.

إن هذا العلاج الفعال -أقصد الغرامة المالية- إذا ما طبقت بجانب الحمية من (مشاهير الفلس) والتي تتطلب البعد عن استضافة أصحاب العقول والأفكار الضحلة، والتركيز على الأدباء والكتاب الغنيين بفيتامين الأفكار البناءة والخلاقة، فإننا سنتعافى وسيعود بناء مجتمعنا أكثر قوة ولحمة، وأقل عرضة لأمراض القرحة والقولون وارتجاع المريء، وقد يختفي (مشاهير الفلس) تدريجياً من عالمنا لدرجة أنك قد تبحث عنهم بحساباتهم ومنصاتهم ولا تجدهم، بعدما تم علاج الخلل الذي أصاب (وظائف المجتمع) وسادت (الثقافة والمعرفة) وخف (انتفاخ الأنا) وتلاشى (سوء الفهم) و(تيسر الإخراج)!!


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store