Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الثقافة.. والسياسة الخارجية

A A
رغم كل ما كُتِبَ وقِيل عن العلاقة الوطيدة بين الثقافة والسياسة، إلا أني أرى بأن الثقافة لا زالت لم توف حقها من الاهتمام داخل الأوساط السياسية العربية، ويشمل ذلك وزارات الخارجية وممثلياتها حول العالم.. بل إن بعض الدبلوماسيين لا زال ينظر لأقسام الثقافة الصغيرة المعزولة حديثة النشأة، على أنها مجرد نشاط تكميلي وثانوي، قليلا ما يتم دمجه بعمق كاف في صلب خطط وقرارات العلاقات الدولية.

فعلى مدى عقود طويلة كانت وزارات الخارجية في مختلف دول العالم تحلق بجناحين اثنين فقط، هما جناح العلاقات الثنائية، وجناح العلاقات متعددة الأطراف، ومع تطور مفهوم الدبلوماسية العامة، أصبح لتلك الوزارات جناح ثالث يعنى بالعلاقات مع الشعوب، وتعتبر الدبلوماسية الثقافية إحدى أهم أدواته.

وتعرف الدبلوماسية الثقافية بأنها: كافة الأنشطة والممارسات التي تقوم على توظيف تبادل الأفكار والقيم والتقاليد والمعتقدات، وغيرها من أوجه الثقافة والهوية الوطنية، وذلك بغرض توطيد العلاقات مع الشعوب، وتحسين التعاون الثقافي والاجتماعي، والترويج للمصالح الوطنية.

وتنبع أهمية الثقافة من أسباب عديدة لعل أهمها ما نراه اليوم بشكل متكرر؛ من أحداثِ عنف وقتل بسبب الانتماءات الثقافية، فالثقافة غالبا ما تتوسط هذه الخلافات والصراعات.. علما بأن القضايا الثقافية لا ترتبط دوما بالعدائية والعنف، فهي أيضا ترتبط بالانسجام وعلاقات التعاون والتكامل بين البشر.. ولعل من الطبيعي أن تقع خلافات داخل الجماعة الواحدة، تماماً كما يحدث في الجماعات التي تنتمي إلى ثقافات مختلفة، ولكنها قليلا ما تأخذ منحى متطرف، كذلك الذي حدث مثلا في الهجوم على مسجد كرايست تشيرش في نيوزلندا، وغيره من الأحداث الدموية والمأساوية.. وهناك في هذا السياق، من يرى بأن الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا لا يحمل أبعاداً جيوسياسية واقتصادية وعسكرية فحسب، بل إن خلفه أيضا مبررات فكرية وثقافية، بل وحتى دينية.‏

‏وبهذا الصدد تقول الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «‏الثقافة يجب أن تكون جزءاً أساسيا من سياستنا الخارجية، فالثقافة هي أداة بالغة القوة لبناء الجسور بين الناس، وخصوصا الشباب، وتعزيز الفهم المشترك بينهم.. كما أنه يمكن لها أن تكون بمثابة محرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.. ‏والثقافة يمكن أن تكون عوناً لنا للوقوف معاً للتصدي للتطرف وبناء التحالفات الحضارية ‏ضد أولئك الذين يحاولون الوقيعة بيننا.. وعلى ذلك فإن الدبلوماسية الثقافية يجب أن تكون في صلب علاقاتنا في هذا العالم الذي نعيشه اليوم».

من أجل كل ذلك، فإن دراسة وفهم الثقافة في الشأن السياسي والعلاقات الدولية يعتبر أمراً غاية في الأهمية، لإدراك واستيعاب ما يدور حولنا، وفهم علاقات القوة والتأثير ضمن الجماعات والمجتمعات المختلفة، ‏وكذلك للبحث عن طرق ووسائل مختلفة لخلق نوع من التواصل والتقارب السلمي والفهم المشترك بين الثقافات المختلفة.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store