Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. عادل خميس الزهراني

شادي.. قصيدة غربة وحكاية وجبة

A A
فبراير ربما، كان الطقس زمهريراً عند محطة القطار، حيث استقبلتُ صديقي شادي، ليبدأ معنا رحلة الدراسات العليا شمال إنجلترا.. قابلتُ شادي أول مرة في منزل عاصم حمدان؛ شاباً خجولاً رأيته، عرفتُ فيما بعد أنه خاطبٌ جديد في بيت أبي سارة (رحل اليوم أبوسارة عاصم حمدان، وبقي عبقه في الوجود).. هذا كان سبب الخجل على ما يبدو، حين تعرفت على شادي أكثر بعد ذلك، وجدت فيه صديقاً صادقاً تعتمد عليه.. هو اليوم الدكتور شادي زكائي؛ أستاذ علم الميكروبات الجزيئية في جامعة المؤسس.

بعد ليالٍ من وصوله إلى ليدز، أدركنا أن رحلة البحث عن بيت عائلي له ستمتد قليلاً، فاستضفته عندي في سكن الطلاب؛ تبادلنا الأدوار، بين السرير والكنبة، وكانت الأيام حلوة، والليالي باردة، لا يدفئها غير حكايات الوطن، وطموحات العودة له.

مروان قماش، كان أخانا الأكبر، وكفيلَنا بطريقةٍ أو بأخرى. أوصاه عاصم حمدان علينا.. (يا لذلك القلب الكبير الذي وسعنا جميعاً)، فكان نعم الأخ الأكبر؛ كان يأتي من مدينة أخرى ليطل علينا؛ ويتأكد أننا بخير. وكان يعزمنا عنده في البيت؛ يطعمنا، ويسدّ وحشة الروح؛ ما أطيب قلب مروان وأوفاه.

حين وجدنا بيتاً لشادي، واستقر فيه، وأنا معه طبعاً، كان أولُ قراراته أن نعزم مروان على عشاء خاص يعدّه شادي بنفسه، وكانت ليلة لا تنسى، نحن الثلاثة، ورابعنا بندر، صديق نبيل ألقى به حظه العاثر في طريقنا، فصاحبنا، وصاحبناه.. وعزمناه.

شادي يطبخ عن بعد (wirelessly)، وزوجته معه على الخط من جدة؛ توجّهُ وتدير: (حطّ شوية كمّون، الملح كذا كثير يا شادي، الرز بيصير عجينة وعشاك مطيّن بطينة)، وشادي مُصِر... أنا وبندر مستسلمان؛ لا حيلة لنا، أسرى حربٍ وغربة، وبردُ ليدز يجعلنا نأكل أصابعنا، مروان كان محظوظاً وهرب؛ تحجج أولاً بتلبّكٍ معوي، ثم بموعد القطار، أخذ نفسه وطار.. نجى صاحبنا ولم نفعل.

ليلتها؛ تعشينا.. وضحكنا.. ورأينا في الغد يوماً جديداً يحمل لنا الكثير والكثير.. قبل أن أنام؛ هجمَ خاطر الشعر، فكتبت أبياتاً، ووضعتها صباحاً على إطار صورة معلقة، لتكون مفاجأة لشادي.. يبدو أن شادي لم يرها، ولم يتنبه لها، لأنه لم يشر إليها أبداً بعد ذلك.. ربما وقعتْ واستقرت خلف الإطار، وربما كنت أحلم!

بعد عشرة أعوام، وجدتُ ورقةً في كتاب؛ فتحتُها، فكانت المفاجأة!! كانت مسودة أبيات العشاء.. ضحكت، وتذكرتُ تفاصيل الليلة، وتفاصيل أخرى، عشناها هناك.. ثم قررت أن أضعها في ديواني الأخير (حدث في مثل هذا القلب).. واخترت عنوانها ليكون (شادي):

ألفيتُها

والبحرُ تحتَ جفونِها..

حُلماً يطاردُ

-كالنجومِ- سُهـادي

زرَعتْ على شفَقِ الحنينِ

ورودَها..

فملأتُ

بالشوكِ الرقيقِ حصادي..

وأذبْتُ بينَ شفاهِها

أنشودة

باسم الذي

خَلَقَ الغرامَ

تنادي

لكنني - لما صحوتُ -

وجدتُها..

لَهَـفاً

يغازلُ في الظلامِ

عِنادي

فسألتُ شادي:

هل لمحْتَ خيالها..؟!

فأجابَ:

لا تجزعْ

فتلكَ بلادي..

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store