Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سعود كاتب

الإعلام الجديد والقوة الناعمة.. مقاومة وتغيير

A A
لا زلت أذكر جيدًا المقاومة الشديدة التي واجهت المؤسسات الصحفية في منتصف وأواخر التسعينيات، عند محاولتها إيقاف العمل بالآلات الكاتبة وأجهزة الفاكس في مكاتبها، وإحلالها بأجهزة الكمبيوتر وأنظمة النشر والبريد الإلكتروني.. ومن ذلك مثلا أن صحفياً في أحد المكاتب الخارجية الهامة رفض طويلاً كل محاولات إقناعه بالتوقف عن كتابة تقاريره يدويًا وإرسالها بالفاكس، إلى أن تم التخلص كليًا من جهاز الفاكس في ذلك المكتب.. وكان هذا الصحفي يصف دومًا بانفعال جهاز الكمبيوتر الذي تم تزويده به وتدريبه عليه بأنه مضيعة للوقت والمال، ويراهن باستحالة استغناء الصحافة عن ثلاثي «الورق والقلم والفاكس»، وأن الإدارة ستضطر للعودة له بعد أن يتضح فشل «هذا الصندوق المسمى كمبيوتر»!.

تطور ذلك «الصندوق»، وجاءت الإنترنت، فالصحافة الإلكترونية، ثم شبكات التواصل والهواتف الذكية بتطبيقاتها وإمكاناتها المذهلة.. كان قطار التطور ينطلق بسرعة فائقة دون توقف ولا انتظار، في حين كان مقاومو التغيير مصطفِّين على جانبي طريقه، يرمقونه بأعينهم، مُردِّدين عبارات السخرية منه، وواصفينه تارة بالفقاعة الزائلة والصرعة المؤقتة، وتارة أخرى بالتنظير وضعف المصداقية، وصولاً لمحاولة إبطاء وتعطيل عجلته بشتى الوسائل.

ويعزى ميل الناس لمقاومة التغيير لأسباب عديدة، منها عدم فهمهم له، ولأنه يشعرهم بعدم الأمان والخوف من المجهول، أو خشية فقدان القوة والمزايا التي توفرها لهم الأوضاع الراهنة، أو حتى لمجرد ارتباطهم بعادة معينة يرفضون تركها.

جميع ما سبق خطر على بالي -كأنه ظاهرة «ديجافو» Deja vu- نتيجة ترديد بعض الكتاب و»المتخصصين» لانتقادات مشابهة تنفي حاجة الدول لتوظيف قوتها الناعمة، بل وسخرية بعضهم من هذا المفهوم، ووصفهم إياه بأنه مجرد نشاط علاقات عامة لا مكان له في ظل سطوة القوة العسكرية والاقتصادية، والواقع أن هذه المزاعم هي اجترار لآراء قديمة مخالفة للمفهوم الذي قدمه جوزيف ناي، ورد عليها حينها قائلا: (إن من غير الحكمة الانتقاص من القوة الناعمة باعتبارها مجرد ‏علاقات عامة، وشعبية مؤقتة وزائلة، لأن القوة الناعمة هي شكل من أشكال القوة ووسيلة هامة للحصول على النتائج المرغوبة.. وعندما ننتقص من أهمية جاذبيتنا للدول الأخرى، ‏فإننا ندفع ثمنًا غير مرغوب لذلك).

وواقع الأمر أن الرد الحاسم على تلك الانتقادات جاء من وزارات الخارجية في جميع دول العالم، والتي لم تعد تخلو معظمها من أقسام للدبلوماسية العامة.. كما جاء الرد من أهم كليات العلاقات الدولية التي أدرجت هذا المفهوم ضمن مناهجها وخططها الدراسية، ناهيك عن مراكز تفكير ودراسات القوة الناعمة، ومؤتمراتها الدولية، ومجلاتها ومواقعها ودورياتها العلمية، والأمثلة الأخرى الداعمة لأهمية القوة الناعمة لا حصر لها.. فهل كل ذلك مجرد أنشطة علاقات عامة؟، وهل يعقل القول أصلاً إن أي دولة قادرة على تحقيق جميع أهدافها بالقوة الصلبة وحدها، مهما بلغت تلك القوة؟.

من المهم لنا أن نعي بهذا الصدد أن بين مناقشة التغيير ومقاومته بون شاسع، فالأول بناء ودعم وتصحيح، والثاني تراجع وتعطيل وتسفيه.. وللحديث بقية.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store