Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. أيمن بدر كريّم

مهزلة الإعلام الحديث

A A
في مرحلةٍ مُنفلتة من الإعلام الحديث، ظهر مَن يُسمِّي نفسه «إعلامي» و»إعلامية»، وهو لقبٌ مُتخصص استحوذ عليه اعتباطاً بعض الهواةِ الذين أفرزتهم هذه المرحلة المضطربة، دون أيّ درجةٍ علمية متخصصة، ولا تدريبٍ متميّز، ومن غير أيّ رصيد ثقافي أو علمي، أو حتى موهبةٍ شخصية. فإن كنتَ صحفيّاً، أو كاتباً، أو مُدوّناً، أو مثقّفاً، أو ممثّلاً، أو مشهوراً، لا يعني أن تكون بالضرورة «إعلاميّاً»، ولا يعني إمكانيّة تقديمك نشراتِ أخبار، أو برامج حِوارية، أو مناقشة الضيوف بمهنيّة دون ابتذالٍ وصفاقة. الأحجام مُختلفة، والملابس ليست على قياسٍ واحد!.

إنّ معظم الضجيجِ الذي تُصدره الوسائل الحديثة للإعلام، على ما فيها من فوائد جمّة، هو في واقعه ضجيج من النوع الأسود، يعمل على تلويث السّمع، وتعكير المزاج، واضطراب النفس، ووهم المعرفة، والتشويش على الإدراك السليم. ففي واقع الأمر، لا يهمّ كثيراً لدى بعض القنوات الإعلاميّة أن تكون صاحب رسالةٍ، أو وعيٍ، أو لباقةٍ، أو فكرٍ، أو أدبٍ مُعتبر، بل يكفي أن تكون شخصاً مثيراً للجدل، أو التفاهة، أو حتى القرف!.

ما يحدث، هو تطبيقٌ عملي لنظرية الإيحاء الاجتماعي والعدوى النفسية التي تنتشر في الجموع كالنار في الهشيم، وتقتحم عليك خصوصيتك اقتحاماً فجّا، ولا تدع لك فرصة التفكير المنطقي والمراجعة المُتأنّية.

فأنتَ - في الغالب - تشعر وتتصرّف وتختار وفق التأثير العارم لطوفان الإعلام الحديث الذي يُمارِس عليك إيحاءاتِه وتنويمه المغناطيسي، ويعمل على برمجة عقلك وإعادة تشكيل فكرك وانطباعاتك وقناعاتك.. أنت في الحقيقة، لستَ حرّا كما تظن!.

تقول الروائية (إليف شفق): «في عصر الإنترنت ووسائل الإعلام المتعدّدة؛ لم يعد في وسع الفردِ امتلاكُ الوقت أو الصبر من أجل المعرفةِ العميقة».

لطالما شارك الإعلامُ عالمياً - على ضرورته الثقافية والحضارية - في الارتباكِ والتضليل واللغط، ففي عصرنا الحالي - ناهيك عن العصور الغابرة وسِيَر السّلَف - ووسْط ضبابِ المعلوماتِ والأحداث، يصعب إلى حدّ بعيد التمييز بين الحقائق والأكاذيب.

تقول الكاتبة الدكتورة (نوال السّعداوي): «لقد تعوّدنا على استهلاك هذا الإعلام والتاريخ المُزيّف، فلم نعد نعرف القضايا الجوهرية من القضايا التافهة، لقد أدمنّا هذا النوع من المعرفةِ الكاذبة، كما يُدمن الشباب المخدّرات».

(بتصرّف).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store