Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

قوارب الموت للاجئين العرب بلا مساءلة!!

A A
فاجأتنا الأحداث بالعملية العسكرية الروسية على أوكرانيا؛ بلجوء أكثر من مليوني أوكراني لبولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفيا؛ حيث فتحت هذه الدول حدودها للاجئين لتوفير كل احتياجاتهم، وقد انضم إليها (21) دولة أوروبية أخرى، في وقت كان على مسرح الأحداث العالمية مآسٍ للاجئين العرب غير الشرعيين من الدول التي تسيطر عليها المليشيات المُدعّمة إيرانيًا، والتي تنفذ أجندتها في المنطقة على حساب سيادة دولها وعز شعوبها، وفي مقدمتها العراق وسوريا واليمن ولبنان.

وسأبدأ بحزب الله الذي أنشأته إيران بدعوى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي في لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي لها عام 1982م، وقامت بتسليحه، وبه أصبحت الآن هي المسيطرة على القرار السياسي في لبنان بعد عزلها عن أشقائها العرب، ممّا أدى إلى انهيار اقتصاد لبنان، وكان هذا أحد أسباب هجرة بعض الشباب اللبناني في قوارب الموت.

ثُم العراق التي تعرّضت للغزو الأنجلوالأمريكي عام 2003م بأكذوبة امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، ولم يكتفِ الاحتلال بتدمير البُنية التحتية والعسكرية بالعراق بتسريح الجيش العراقي وتحويل سلاحه إلى خردة، إذ امتد إلى تدمير البُنية التحتية للإنسان العراقي بالكم المهول من اليورانيوم المُنضّب الذي ملأ أرضه، واعتقل الألوف، وجرائمه في سجن «أبوغريب» شاهدة عليه، وهُجِّر من هُجّر، ثم سُلِّم العراق لداعش، وأخيرًا تسليمه لإيران لتقضي على البقية الباقية من الإنسان العراقي الذي أغرقته بمليشياتها المسلحة لفرض أجندتها بقوة السلاح، فانعدم الأمن والأمان، ممّا دفع ببعض شبابها إلى الهجرات غير الشرعية، وشاهدنا مؤخرًا ما تعرّض له المهاجرون العراقيون في بلاروسيا من أذى وسرقات لأموالهم، ومنهم من عاد إلى بلاده جُثثًا هامدة، ومع كل هذه المآسي التي تعرّض لها العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى الآن، ورغم اعتراف جورج بوش الابن باحتلاله العراق نتيجة أكذوبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لم تُساءل أمريكا عن احتلالها العراق الذي أدى به إلى ما هو عليه الآن.

ومنذ عام 2011 كان انطلاق ما سُمّي بثورات الربيع العربي في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن التي أكلت الأخضر واليابس وقتلت وهجّرت ودمَّرت، خطّطت لها إدارة أوباما مع حلفائها من القوى الدولية الكبرى لتمكين الإخوان وإيران من الدول العربية، فأوهموا الخُمينيين بإعادة قيام الإمبراطورية الصفوية، وأوهموا الإخوان بتحقيق هدفهم في إقامة دولة الخلافة، وجعلوا الشباب العربي يُنفِّذها بإيهامهم بتحقيق أحلامهم في الحرية والديمقراطية، وتمّ تمكين الإخوان من حكم تونس ومصر وليبيا، ونجّى الله مصر بيقظة شعبها وتضامن جيشها معه، ووقفة مخلصة من أشقائها العرب، وفي مقدمتهم المملكة من النفق المظلم الذي كانت فيه.

وكل هذا ليضعفوا الدول العربية بإثارة الفتن الطائفية بين شعوبها ليقتل بعضهم البعض، وتحويلهم إلى لاجئين غير شرعيين في قوارب الموت، ومنهم من يموت غرقًا، والناجون لا يجدون سوى الذل والإهانة من الدول الأوروبية التي يلجأون إليها، وتستخدمهم بعض الدول كأوراق ضغط على الدول الأخرى لتحقيق أهدافهم، بينما فتحت (26) دولة منها حدودها وبيوتها للاجئين الأوكرانيين، مع توفير فرص العمل والدراسة والإقامة لهم لمدة ثلاث سنين.

وكان الهدف من مخطط ثورات الربيع العربي إضعاف الدول العربية لجعل إسرائيل هي القوة الكبرى في المنطقة، وتمكينها من تحقيق حلمها في إقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات.

وخلال العشر سنوات منذ ثورة 2011 في سوريا، اضطر 11 مليون سوري إلى ترك أماكن سكنهم وبيوتهم نتيجة الحرب المندلعة والعنف المصاحب لها والخوف.. فلجأ نصفهم إلى أماكن أخرى داخل البلاد، وأمّا نصفهم الآخر فلجأوا إلى دول الجوار، وفي هجرات غير شرعية عبر قوارب الموت، وأصبحت سوريا مطمعًا لأمريكا وروسيا وإيران ومليشياتها وأصبح فيها ما يقارب الـ(68) مليشيا مسلّحة.

وكان نصيب ليبيا من الفوضى والدمار لا يقل عن شقيقاتها، وأكثر من (300) مليشيا مسلحة بها، ولا تزال ألعوبة في أيدى الدول الكبرى، ويُخشى أن تُفاجئنا نتائج الانتخابات الليبية برئيس إخواني، مدعومًا من الخارج، ليكتمل تنفيذ المخطط، كما فاجأتنا الأمم المتحدة بالدبيبة رئيسًا مؤقتًا للحكومة الليبية، أمّا اليمن فلا يزال يعيش شعبها مآسي القتل والتفجير والاعتقال والخطف والاغتصاب وتجنيد الأطفال وإيقافهم عن الدراسة وتدمير مدارسهم وزرع الألغام في الشوارع والطرقات، وكذلك في طرق الملاحة البحرية التي يرتكبها الحوثي بلا مساءلة ومحاسبة.

والمجتمع الدولي صامت عن كل هذه الانتهاكات، ولا تتحرّك القوى الكبرى إلّا لحماية مصالحها، ولم يُساءل الجناة الأساسيون الذين أوصلوا تلك البلاد إلى ما هي عليه الآن، فلابد أن تستيقظ الشعوب العربية من غفوتها، وأن يكون ولاءها لأوطانها، وليس للمذهب التي تدين به، أو الجماعة التي ينتمون إليها، فولاؤهم للمذهب أو للجماعة سيفقدهم الأرض التي يقفون عليها، وعندئذ سيكونوا لاجئين بلا أوطان، ورقيقًا لمن كان ولاؤهم لهم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store