Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

مع «العرضيات».. لا قيمة للأرقام والإحصائيات!

A A
لا تقوم الخطط المستقبلية للجهات المسؤولة إلا في ضوء الأرقام والإحصائيات الصادقة، وهذا ما يُعرف بثقافة التخطيط التي تَعني تنفيذ الجهة المسؤولة لخططها المستقبلية في ضوء الأرقام والإحصائيات التي لديها، وهو ما يعني تقديمها الخدمة المستحَقَّة للجهة المستحِقَّة في الزمان والمكان الصحيحين.

الجهات المسؤولة حينما تحتكم إلى الأرقام والإحصائيات، فهي تستند بهذا إلى ركنٍ شديد، وتكون في منأى عن المساءلات والنوايا غير الطيبة تجاه ما تُقدِّمه؛ كونها بهذا الاستناد تقف في موقف الواثق من إجراءاته، لكنها حين تتغافل عن الأرقام والإحصائيات فهي بهذا تجعل نفسها في موقف محرج.

ما دعاني لهذا المهاد هو كَمُّ الأرقام (المتورمة) التي تحفل بها محافظة العُرضيات -أقصى جنوب منطقة مكة المكرمة بين منطقتَي الباحة وعسير- وهي أرقام تشي بأن المحافظة تستحق خدمات توازي هذه الأرقام والإحصائيات، لكنَّ الحاصل هو أن هذه الأرقام والإحصائيات لم تشفع لها لتنال الكثير مما هي جديرة به.

محافظة العرضيات بلغ عدد سكانها في آخر تعداد عام ١٤٣١هـ (٧٧٦١٣) سبعةً وسبعين ألفًا وستمائة وثلاثة عشر نسمة، وهذا العدد مُرشَّح اليوم ليتاخم (١٠٠٠٠٠) مئة ألف نسمة، هذا الرقم الكبير من السكان لا يخدمه إلا مستشفيان، سعة كل مستشفى (٥٠) سريرًا، وبإمكانات ترضخ دائمًا لاشتراطات هذا الرقم السريري الضئيل، وتتجاهل عدد السكان وعدد المراجعين للطوارئ والعيادات وغيرها.

هذا الرقم الكبير من السكان لم يحظَ حتى الآن بمياه البحر المحلاة، وهو الذي لا يبعد عن وسطها إلا مسافة في حدود (١٠٠)كم، وهذا الرقم الكبير لا تخدمه إلا طريق مفردة، وإن كان قد تم البدء في ازدواجيتها، لكن تعثرها أكثر من تقدمها. هذا الرقم الكبير لا تخدمه إدارة تعليم في محافظة العرضيات، مع أن عدد مدارس العرضيات بمراحلها الثلاث للبنين والبنات بلغ (١٤٩) مدرسة، (بعد عمليات الدمج الأخيرة بين المدارس)، ويزيد عدد طلابها وطالباتها في المراحل الثلاث على (١٥٦٠٠) طالب وطالبة.

أمر آخر غاية في الأهمية والغرابة، وهو أن هذه الأرقام والإحصائيات، التي يمثلها طلاب محافظة العرضيات وطالباتها، لم تحظَ بكلية جامعية حتى اندلاق حبر هذا المقال، كي تجمع شتات طلاب العرضيات وطالباتها الذين تفرقوا في المناطق والمحافظات، ولم تحظ هذه الأرقام والإحصائيات حتى بكلية تقنية.

وحينما نتوجَّه للخدمات البلدية نجد في محافظة العرضيات بلديتين، عُمر الأولى عقدان، والأخرى عقد، وهاتان البلديتان مازالتا مصنَّفتين على فئة (هـ)، ومن يرغب في مزيد من الأرقام عن هاتين البلديتين، فليعد لمقالي (الشؤون البلدية.. أين أنتِ من الأرقام؟!).

لعل هناك من يُبرر لهذا القصور في بعض خدمات محافظة العرضيات، بأن هذه الأرقام والإحصائيات (لا تؤهِّل) العرضيات لاستحقاق تلك الخدمات التي لا يحظى بها إلا المحافظات ذوات (الأرقام العالية) في السكان والطلاب والمرضى.. إلخ. هذه التبريرات يكفي أن نضع أمامها أرقام إحدى المحافظات (دون ذكر اسمها)، هذه المحافظة -وقس على غيرها- عدد سكانها اليوم في حدود (١٠٠٠٠) عشرة آلاف نسمة، وعدد مدارسها حوالى (١٥) مدرسة للبنين والبنات، يحظون -بارك الله لهم وزادهم من فضله- بكلية جامعية وإدارة تعليم مستقلة ومستشفى وبلدية وغيرها من الخدمات، ولا تبعد المحافظة عن عاصمتها الإدارية التابعة لها إلا بما يزيد قليلاً على (٢٠٠)كم، في حين تبعد العرضيات عن عاصمتها الإدارية (مكة) بما يزيد على (٤٠٠)كم.

لذا وفي ظل هذا التباين في الأرقام والإحصائيات الذي يُقابله تباين عكسي في تقديم الخدمات، تغدو الأرقام والإحصائيات في محافظة العرضيات غير شافعة لها، وتصبح ثقافة التخطيط التي تتذرَّع بها بعض الجهات المسؤولة شعارًا لا يعرف طريقه إلى أرض الواقع. لذا يبدو أن الحل هو في طمس المحافظات أرقامَها وإحصائياتِها؛ حتى لا تفجعنا المقارنات -على مستوى الخدمات المقدمة- فيما بينها.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store