Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

مناجاة الخلق في تسبيح الخالق

A A
راح يسأل عمَّا إذا كان للجبال والأودية والنبات مثل البشر والطير والحيوان إحساس، مستشهدًا بما يروى عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام قوله في فضائل جبل أُحد أنَّه: (يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ، وَهُوَ مِنْ جِبَالِ الْجَنَّةِ).

ويذكر عن وادي العقيق، أشهر أودية المدينة المنوَّرة، ويرتبط اسمه بسيرة رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وفيه قال: (أَتَانَي اللَّيْلةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ). ويشاء سبحانه تعالى أن يكون في سفح جبل أُحد حيث إطلالته الجميلة على المدينة المنورة، مثوى سيِّد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.. ولو قُدِّر لأحدٍ بدء حوار مع جبل أُحد، وما شهده في فجر الإسلام لوقف على كثيرٍ من السيرة النبويَّة وأخبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وما حظيت به المدينة المنوَّرة من اهتمام منذ دخلها رسولنا الكريم، واحتفاء أهلها الأنصار بالمهاجرين، وهم ينشدون: (طلعَ البدرُ علينا مِن ثَنيَّات الوداعِ، وَجبَ الشكرُ علينا ما دعا لله داعِ، أيُّها المبعوثُ فينا جئتَ بالأمرِ المُطاع، جئتَ شرَفتَ المدينة مَرحبًا يا خير داع).

ولو قُدِّر أَن يُجرى حوار مع سفح جبل قاسيون المُطلِّ على دمشق الفيحاء مثلًا! لسُمِع كثير منه عن ترحيبه بالمهاجرين إليه من العديد من البلدان الإسلاميَّة نجاة بأرواحهم، وحفاظًاعلى عقيدتهم.. لقد فتح لهم أبواب منازله لينعموا بإقامة طيِّبة في أحيائه، ومنها (حيُّ المهاجرين) وبجواره (حيُّ الصالحيَّة) وقد اختار العلماء الصالحون الإقامة فيهما، وإعمار بيوت الله... و(حيُّ الأكراد) الذي اكتظَّ بهم منذ أواخر أيام السلطنة، هربًا من التتريك.

لتحدَّث بإسهاب عن الصحابة رضوان الله عليهم أحمعين لمَّا وصلوا دمشق، وهم يجاهدون في سبيل الله لنشر عقيدة التوحيد، ومنهم مَن وافته المنيَّة في دمشق الشام ودفن فيها.. ولتحدَّث عن استقباله كثيرين من أهالي المدينة المنوِّرة الذين دفعهم فخري باشا، وإليها العثماني إلى مغادرتها كي يتفرَّغ هو وجنده للإبقاء عليها تحت رعاية السلطنة. فما الغرابة في حديث سفحي جبل أُحد وجبل قاسيون! والله جلَّ جلَّاله القائل في محكم كتابه: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلْأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ)، وفي آية أخرى: (أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَه ُمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَاتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلطَّيْرُ صَٰٓفَّٰاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسْبِيحَهُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ).. فالتسبيح مناجاةٌ الخالق جلَّت قُدرته.. وممَّا قد وصل إليه الحال في بلاد الشام، دمشق خاصَّة هذه الأيَّام لاعتذر السفح، وآثر الصمت، وسطرت دمعة منهما لا يستطيعه اللسان.. أَمَّا أُحدٌ وقد أحبَّه مَنْ أُرسلَ رحمة للعالمين، فلا يزال بأهله وساكنيه يناجي خالقه ومَن أَحبَّه.. ويبقى حديث نصف العاقل كحديث الجاهل، وكلاهما يقصران عن فهم المناجاة وحكمة الخالق جلَّ وعلا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store