Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

في عيد الأضحى.. المواطن «ضحية» الجشع

A A
لا صوت يعلو هذه الأيام وسط السعوديين على ارتفاع أسعار الأضاحي، والارتفاع الكبير في أثمانها، والذي بات سمة مميزة لهذا الوقت من كل عام، ومعاناة متكررة يعيشها المواطنون والمقيمون، حيث ترتفع الأسعار بصورةٍ فجائية، وتُقارب الضعف، دون أن تكون لذلك أسباب مقنعة، رغم محاولات التبرير العديدة التي يسوقها تجار المواشي، والعاملون في هذا القطاع.

زيارة سريعة للأسواق، تُوضِّح بجلاء حجم الفوضى التي تُمَارَس، حيثُ ينتشر السماسرة والباعة الجائلون، الذين يُؤكِّد الجميع أنهم السبب الرئيسي فيما يحدث من ارتفاع في الأسعار، فمعظم هؤلاء ينتشرون عند مداخل الأسواق، ويُحيطون بصغار التجار الذين يرغبون في بيع ما لديهم بأسرع ما يمكن، فيتلقفهم هؤلاء، ويدخلون معهم في صفقات ومساومات، تدفع الكثيرين منهم إلى التفكير في رفع الأسعار والمغالاة.

لذلك، فإن الكثيرين يُطالبون بشدة بمنع هؤلاء، لا سيما أن جزءاً كبيراً منهم هم عمالة سائبة، وغير نظامية، مخالفة لقوانين العمل، وتعمل لمصلحتها الشخصية.

والمحيِّر هو كيفية السماح لهم من الأجهزة المختصة بالبقاء في الأسواق، مع أنه لا يوجد مُبرِّر لوجودهم من الأساس، فهم ليسوا تجاراً، ولا يملكون مواشي لبيعها، ووجودهم مرتبط فقط بالمزايدة على الأسعار، وهو ما يتسبَّب في المزيد من المعاناة للمشترين.

وإن كان بعض العاملين -في هذا الحقل- يتذرَّعون بأسبابٍ أخرى وراء الغلاء، مثل قلة المعروض في السوق، بسبب عدم توريد أغنام من الخارج بصورةٍ كافية، وارتفاع التكلفة في الدول المصدِّرة للماشية، والزيادة الكبيرة في أسعار الأعلاف والشعير... وغير ذلك، إلا أن هذه الأعذار لم تعد مقنعة لأي شخص، فتلك الزيادات -وإن حدثت- فإنها قطعاً لا تتناسب بأي شكلٍ مع الزيادات في أسعار المواشي.

الملفت للنظر أن هذه المعاناة تبدأ -خلال السنوات الأخيرة- منذ شهر رمضان، وتستمر حتى عيد الأضحى، وذلك لارتفاع الطلب على اللحوم والمواشي في هذه الفترة، حيث تعد تلك الفترة موسماً تزداد فيه الأسعار بصورةٍ غير مبرَّرة، فالأضحية التي لا يقل ثمنها في الأسواق حالياً عن 1500 أو 1800 ريال، كانت تُباع قبل شهور قليلة بمبلغ لا يتجاوز ألف ريال، وهو ما يُوضِّح بجلاء حجم الاستغلال الذي يتعرَّض له المواطن والمقيم.

أما إذا تطرَّقنا للمعالجات التي ينبغي أن تتم للقضاء على هذه الممارسات السالبة، فإن الخطوة الأولى للوصول إلى أسعار عادلة للبائع والمشتري هي تحديد أسعار العلف والشعير، التي يتذرَّع التجار بارتفاع أسعارها، ومنع محاولة البعض احتكار المعروض والتحكم في أسعاره، وزيادة الكميات في السوق، لأن ذلك سيتبعه بالضرورة انخفاض في التكلفة، ومن ثم الأسعار.

كذلك ينبغي توفير أعداد كافية من المواشي في هذا الموسم، عبر زيادة الاستيراد من الدول المصدِّرة. أما الأنواع التي يُفضِّلها السعوديون، مثل «النجدي والحري والنعيمي»، يمكن للمستثمرين إنشاء مزارع خاصة بهم في الدول المجاورة، للاستفادة من انخفاض تكاليف العمالة، وأسعار الأعلاف في تلك الدول، ومن ثم تصديرها إلى المملكة. وهنا تتوفر فرصة لتشجيع المستثمرين المحليين للدخول في هذا المجال الذي يمتاز بارتفاع نسبة أرباحه. أما الحلول الوقتية العاجلة التي ينبغي اتخاذها على وجه السرعة لضبط الفوضى في الأسواق، فإن من أهمها التصدي لتلك العمالة غير النظامية، التي تتحكم في الأسعار بصورةٍ مزاجية، وفرض عقوبات رادعة على مَن يُحاولون استغلال حاجة الناس للأضاحي، ومحاربة مجموعات السماسرة التي تتواجد عادةً في مداخل الأسواق، وتُحاول منع صغار الباعة من الدخول بإغرائهم وشراء ما بحوزتهم، وذلك للتحكم في حركة البيع والشراء وفرض الأسعار التي يُحدِّدونها، ومن الضرورة أيضاً تنظيم حملات رقابية مكثفة متواصلة على أماكن البيع، وأن لا تكون على فترات متباعدة.

ختاماً، فإن من بات يتحكَّم فيهم الجشع، وأصبحوا يعيشون على استغلال حاجات الناس، واستغلال الظرف، لن ينفع معهم سوى أسلوب الشدة، لأنهم يرفضون إلا أن يزيدوا معاناة الناس عبر الطرق الملتوية. ومن المؤسف أن كثيراً من هؤلاء يفهمون حرية التجارة بصورةٍ مغلوطة، ويتصوَّرون أن الاستغلال والجشع مهارة وشطارة، وفات على هؤلاء أن الدولة التي تقوم بتحمُّل فاتورة دعم أسعار العلف والشعير، سوف تُلزمهم على ضمان أسعار مناسبة لكافة الأطراف، فالعدالة حق للجميع.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store