Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيل بن حسن قاضي

تكرار الحج ومواقف علماء السلف

شذرات

A A
يُطرح بين الفينة والأخرى سؤال فحواه: هل الأفضل أن نحج أكثر من مرة واحدة أم الحج مرة واحدة هو الأفضل؟.

ولعلنا بداية نستحضر ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟، فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلتُ نعم لوجبتْ ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه».

وهناك أقوال عديدة فيما يتعلق بإنفاق المال في النافلة من العبادات (بعد أداء الفروض)، ومنها ما جاء عن أبي حامد الغزالي الذي رأى منع إنفاق المال في النافلة ودعا إلى إنفاقه على الفقراء، ويقول: «ربما يحرصون على إنفاق المال في الحج فيحجون مرة بعد أخرى وربما تركوا جيرانهم جياعاً». والبعض يستشهد بقصة الرجل الذي جاء يودِّع بشر بن الحارث المشهود له بزهده وفضله، فقال الرجل: عزمتُ على الحج فتأمرني بشيء؟ فقال بشر: كم أعددتَ للنفقة؟، فقال الرجل: ألفي درهم، فقال بشر: فأي شيء تبتغي بحجك؟ أزهداً أو اشتياقاً إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله؟ فقال الرجل: ابتغاء مرضاة الله.. قال بشر: فإن أصبت مرضاة الله وأنت في منزلك وتنفق الألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله أتفعل ذلك؟ قال الرجل: نعم! قال بشر: اذهب فأعطها عشرة أنفس: مديون يقضي دينه، وفقير يلم شعثه، ومعيل يغني عياله، ومربي يتيم يفرحه، وإن قويَ قلبك تعطيها واحداً فافعل، فإن إدخال السرور على قلب المسلم وإغاثة اللهفان وكشف الضر وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام.. الخ القصة.

دروس ومواعظ عديدة نستقيها مما ذكر آنفاً، فهل نعي هذه المعاني السامية وهل نرتقي بأنفسنا إلى مراتب الفهم العميق للبر والإحسان، أم نظل نبحث عن مظاهر الخمس نجوم في رحلاتنا حتى في العمرة والحج وغيرها، وفي وسعنا أن نستقطع هذه الأموال لتفريج كربات عديدة يعرفها بعضنا وتعرفها جمعيات البر والباحثون الاجتماعيون وتنتظر المبادرات من أصحاب الهمم العالية.

إن مفهوم الاستطاعة للحج يقصد به حجة الفريضة وليس معناها بأن كل من استطاع الحج فليحج.. هناك أمور أخرى غير منظورة ولها بُعد إنساني وهي الثواب الكبير الذي سيناله الفرد عن تخليه عن الحج لإعطاء مكانه لغيره لا سيما أولئك القادمين من أقصى المعمورة.

ما زلتُ أتذكر السيد الوالد -متَّعه الله بالجنة- وهو يحث مَن حوله في مكة بالصلاة في غير المسجد الحرام لعدم مزاحمة الآخرين وكان يطلب تأجيل عمرة رمضان إلى شوال وهو يردد: «وتأكد أن رب العالمين سيمنحك نفس الأجر إن عقدت النيّة على ذلك».

نسأل الله أن يتقبل من الحجاج حجهم وأن يحفظهم من كل سوء وأن يجزي كل من يقوم على خدمتهم خير الجزاء.


contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store