Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

الإدارة والإنتاجية في الشريط التهامي

A A
المقصود بالشريط التهامي، هو الجغرافيا المستطيلة الممتدة ما بين مكة إلى جدة شمالاً حتى جازان جنوبًا، وهذا الشريط التهامي ينقسم إلى قسمين: جبليٍّ (جباله معظمها منخفضة الارتفاع)، ويحاذي جبال السروات (العالية الارتفاع) من الشمال إلى الجنوب، وسهليٍّ (منبسط) يحاذي البحر الأحمر من الشمال إلى الجنوب. بحكم نشأتي في هذا الشريط، واحتكاكي بالعديد من مؤسساته الخدمية، فإن الأمر الذي يُلاحظ على الكثير من مؤسساته (الرسمية والخيرية وحتى الأهلية)، هو ضعف الإدارة والفاعلية والإنتاجية، والتهاون في الإنجاز، وخدمة المستفيد من تلك المؤسسات، وضعف تحقيق أهدافها.

بالطبع هذه الملاحظة ليست تعميمية؛ فليست المؤسسات جميعها سواء؛ فهناك مؤسسات غاية في الانضباط والإنتاجية، وهذا الأمر ليس له صفة الثبات؛ بل يتحوَّل بين فترةٍ وأخرى من مؤسسة إلى مؤسسة بحسب الظروف والأحوال، بل ربما يتفاوت بين جهتَي الشريط التهامي نفسه، لكنَّ هذه الملاحظة أصبحت لافتة للانتباه، وتستدعي الوقوف عندها مقارنةً بالمؤسسات في جهاتٍ أخرى، وخاصة في العاصمة (الرياض). دونكم أندية (الأهلي والاتحاد والوحدة)،

فهي من أوضح الأمثلة على هذا الأمر، قارنوا إنجازاتها بإنجازات أندية العاصمة (النصر والهلال والشباب)، قارنوا إشكاليات هذه بتلك، قارنوا بين مديونياتها واستقرارها.. إلخ. على مستوى المعاناة الشخصية، لديَّ كمٌّ وافر من القصص عن المعاناة (مع مؤسسات متنوعة في جهات مختلفة) من الشريط التهامي؛ ففي إحدى المؤسسات كان لي مطلب سهل تحقيقه، لا يتطلب إلا الرفع به للجهة العليا في الرياض، لكن الموظف أصر على بطلان مطلبي كونه هو الأدرى والأعرف، وبعد حوالى سنة من الأخذ والرد غير المجدي، تواصلتُ مع الجهة العليا في الرياض التي ألزمت الموظف (مباشرةً) بتنفيذ المطلب، وهو المطلب الذي استفدت منه أنا والعشرات ممَّن شملهم. موقف آخر يتمثل في أنني وزميل لي كان لنا موضوع في صرح تنويري كبير، يحتاج توقيع المسؤول المختص، لكن المسؤول نفى أن تكون معاملتنا لديه، في حين يُؤكِّد الموظف وجودها لدى المسؤول، وحين رجعنا للموظف لحق بنا المسؤول عند الموظف، وقال (وش عندكم) فأخبرناه، فقال معاملتكم غير موجودة، فقلنا الأمر سهل، فهي محفوظة في حاسب الموظف، وبضغطة زر تتم طباعتها، فاستشاط غضبًا، وأصر على خروجنا من غرفة الموظف فامتنعنا، لكن الموظف أشار علينا (بحركة خفية) بالخروج، فخرجنا ثم عدنا للموظف، وقال لنا سأطبعها وأجعلها من ضمن معاملات أخرى، وأدخل بها إليه، وسيُوقِّعها وهو غير منتبه لمعاملتكم، وبالفعل وقَّعها سعادته بعد ممانعة وهو لا يعلم.

ذات مرة كان لي موضوع في مؤسسة ولا يتطلب من الموظف إلا النظر فيه وفي سلامة مضامينه ثم التوقيع عليه، لكن الموضوع استمر لديه أكثر من أسبوعين حتى سافرت إليه، ودخلت مكتبه في حدود العاشرة فلم أجده، فانتظرته حتى (عاد من زَرقته)، وألقى نظرة على الموضوع وصادق عليه في الحال، وكأن الأمر يحتاج لمراجعتي لمكتبه وتذكيره بالموضوع.

القصص لديَّ ولدى غيري كثيرة لا تسعها المجلدات، في المقابل لديَّ قصص عن أمور كانت تتطلب إنجازها من قِبل مؤسسات في الرياض، فكانت تلك المؤسسات غاية في حسن التعامل والتفاهم واللباقة، والخدمة والانضباطية وسرعة الإنجاز، ويكفي ما أوردتُه في القصة الأولى في صدر المقال، وما قامت به الجهة العليا في الرياض من سرعة الإنجاز، وإحقاق الحق، ولو أن المقام يتسع لسردتُّ جملة من المواقف الرائعة، والمؤكد أيضًا أن مؤسسات الرياض ليست سواءً في هذا الأمر، الفارق أن تلك السمات الجيدة تغلب على مؤسساتها.

ويبقى السؤال: لماذا هذا التباين في الإدارة والإنتاجية والانضباطية؟، وهل ما يحصل في الشريط التهامي نتيجة ثقافة متأصلة ومتوارثة، أم هو نتيجة ضعف رأس الهرم في تلك المؤسسات؟، أم أن للمناخ (الحار الرطب) دورًا في ذلك؟، أم أن هناك مغريات ومكاسب خلف هذا التهاون؟، أم أن للتركيبة النفسية دورًا في ذلك؟!. أسئلة ملحَّة يتطلبها هذا التباين في الإدارة والإنتاجية، والتي تتجلى عند المقارنة بين الشريط التهامي المذكور والعاصمة الرياض، مما يستدعي دراسات جادة حول هذه القضية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store