Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

ما دلالة تبديل السعودي زيّه خارجيا؟!

A A
ذاتَ تغريدة متقادمة؛ ثرَّبتُ على وفد إعلامي سعودي استبدالَه الزِيَّ الإفرنجيَّ بالزيِّ السعوديِّ -والباء هنا تدخل على المتروك-، وتثريبي هذا جاء كون الوفد الإعلامي كان ضمن الوفود الرسمية المرافقة للقيادة العليا، ما يعني أنه يُمثِّل ثقافة بلاده وتقاليدها، هذا أولاً، وثانيًا أن الدولة المُزارة دولة عربية شقيقة، وهذا يعني أن الوفد بين إخوته، الذين يألفون زِيَّه السعوديَّ. وبعد فترة رافق أكثرُ أعضاء الوفد الإعلامي نفسِه القيادةَ العليا إلى الدولة الشقيقة نفسِها، لكن أعضاء الوفد هذه المرة ظهروا بالزي السعودي في تحوُّل يشي بتغيُّر القناعات، وهو ما استوجب إشادتي بفعلهم. من هذا المدخل ننطلق إلى قضية استبدال السعوديين الزيَّ الإفرنجيَّ بالزيِّ السعوديِّ، وخاصة في الدول (الأجنبية)، وأنا هنا (لا أُثرِّب) عليهم، فهم ذاهبون إلى أقوام لهم ثقافات وعادات مغايرة، لكن الشاهد في القضية؛ والذي يشكِّل علامة تعجب كبيرة، هو عدم المناقشة الجادة لهذه القضية ودلالاتها، وما تشي به، فمبررات لبس السعودي للزي الإفرنجي أثناء وجوده في الدول الأجنبية؛ يكاد يتفق عليها الجميع، لكننا لا نسمع -حتى همسًا- نقاشًا حول هذه المبررات، ولا نقرأ رأيًا عنها، وكأنها (مسلّمات إيجابية) لا تقبل النقض.

أَبرزُ مبرر للبس السعودي الزي الإفرنجي (أو ما شابهه) في الدول الأجنبية هو: لكي لا يكون مختلفا عن مواطني تلك الدول، فيلفت إليه الأنظار، فيعرف، فيتعرض للأذى أو المضايقة منهم ومن غيرهم. هذا هو أبرز المبررات للبس السعودي -وكذلك الخليجي- الزي الإفرنجي في الدول الأجنبية، والعجيب في الأمر أن هذا المبرر يمر علينا بردا وسلاما؛ وكأنه لا يحمل دلالات سلبية، وكأنه لا يشي بأمر مقلق يستوجب الوقوف عنده.لنتصوَّر أن المعادلة كانت مقلوبة؛ بحيث لا يدخل الأجانبُ المملكةَ إلا وقد تزيَّوا بالزي السعودي تحت مبرر جلي، وهو خوفهم من التعرض للأذى أو المضايقة من قِبل السعوديين، بربكم كم من المقالات والمؤلفات، والندوات والحوارات، والبرامج والمشاريع والمؤتمرات ستُنجز؛ لبيان خطر هذا الأمر، والعمل على حلحلته واجتثاثه من أذهان السعوديين؛ بحيث يأتي إليهم الأجانبُ في أزيائهم الإفرنجية فلا يَلفتون أنظارهم، ولا يتعرضون لأذاهم، ولا تتناوشهم كلمات السخرية؟، الأمر يا سادة خلاف ذلك؛ فالأجنبي يأتي إلى السعودية بكامل زيه، فلا يَلفت نظرًا، ولا يتعرض لأذى، ولا تتناوشه عبارات السخرية؛ بل يحظى بالتقدير والإعجاب والاحترام لشخصه وزِيِّه.

ما المشكلة إذن؟، المشكلة هي في قبولنا بمبرر لبس السعوي للزي الإفرنجي في البلاد الأجنبية، وكأنه مبرر (بريء) لا يحمل دلالات ذات أبعاد لا يُدركها إلا المتأمِّل الحصيف، ويُغمض عينيه عنها كلُّ تَبَعٍ لا يتجاسر على إبداء رأي موضوعي. الدِّلالة الفاقعة الجلية التي يغفل -وربما يتغافل- عنها البعض، هي أن مجيء الأجنبيِّ إلى المملكة واحتفاظه بزيه دون حصول أذى أو مضايقة له، فإن مردَّ ذلك لقِيَم المملكة المستمدة من شريعة الإسلام السمحة، التي كفلت حق الآخر، بل وعاقبت من يتعرَّض له بأي أذى أو مضايقة، في المقابل فإن اضطرار السعوديين لتبديل زيّهم عند سفرهم للبلاد الأجنبية، فهذا يدل دلالة فاقعة على اهتراء قِيَم تلك البلاد، وتهاوي نظرياتِ التسامح وقبولِ ثقافة الآخر وتقاليده.. وهنا الفارق والحقيقة المرة. بقي القول: إن البعض ربما يُبرِّر ذلك؛ كون الزيِّ الإفرنجيِّ عمليًّا، لكنَّ معظم -بل ربما كل- مََن يذهب من السعوديين إلى هناك، إنما ذهبوا للسياحة أو التجارة أو الدراسة، وكل هذه الأمور لا تتطلب جهدًا بدنيًّا يُعيقه لبسهم الزي السعودي، فلا حجة لهم إذن، وربما ينفي البعض تعرُّض السعوديين -نتيجة لبسهم الزي السعودي- للأذى أو المضايقة، إن كان ذلك حقًّا، فالمرجو من هؤلاء النافين أن يَلبسوا زيّهم السعودي، (الثوب والغترة والعقال)، أثناء سفرهم للبلاد الأجنبية إن كانوا واثقين من رأيهم، وإن لم يفعلوا، فإن لبسهم الزيَّ الإفرنجيَّ -مع انتفاء الأذى والمضايقة كما يدَّعون- هو هزيمة نفسية يصعب شفاؤهم منها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store