Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

يا قمـــــر

A A
قصصه وأساطيره ورموزه كثيرة في كل مكان وزمان، وأما الوصول إليه فيختلف اختلافاً جذرياً عن الوصول إلى الفضاء الخارجي.. مثل الفارق بين المشوار إلى «لوس أنجلوس» وزيارة «دكّان الحي».. وقبل الحديث عن المسافات، فلابد من إيضاح موضوع السرعات.. البوينج 777 سرعتها حوالى ربع كيلومتر في الثانية الواحدة، والسرعة المطلوبة للإفلات من جاذبية الأرض والوصول إلى مدار حول الأرض في الفضاء الخارجي؛ هي حوالى ثمانية كيلومترات في الثانية.. وأما الوصول إلى القمر، فيتطلب سرعة لا تقل عن حوالى أحد عشر كيلومترا في الثانية الواحدة.. وتعريف الفضاء الخارجي دولياً يبدأ من ارتفاع مائة كيلومتر (ثمانين كيلومتر في التعريف الأمريكي) عن سطح البحر.. وأما المسافة إلى القمر فتتراوح بين 348 ألفا إلى 405 كيلومترات تقريباً حسب دورته. وهو الأقرب إلينا بين جميع الأجرام السماوية.. وهو أكثر ما نظر له الإنسان عبر التاريخ، ويتمتع أيضا بمجموعات من الأساطير والمعتقدات والقصص أكثر من أي من الأجسام السماوية الأخرى. وقد راودنا حلم الصعود إليه منذ القدم، من قبل تقنيات الصواريخ، والملاحة الحديثة، وأنظمة التحكم المتطورة.

وصل الإنسان إلى القمر في النصف الثاني من القرن العشرين في عشرات الرحلات بمركبات مختلفة، معظمها أصبحت «كراكيب» محطمة على سطحه منذ عام 1959.. وأما الرواد الذين وصلوا إليه؛ فعددهم 24، هبط منهم 12 على سطحه، وساروا، وركضوا، وركبوا سيارات، وجمعوا عينات صخور، ولعبوا، وصوَّروا، وأجروا تجارب علمية.. ولكن منذ حوالى خمسين سنة لم يهبط إنسان واحد على سطحه. وخلال هذا الشهر أثناء زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة، تم التوقيع على اتفاقية «أرتيموس»، ويرمز الاسم إلى البرنامج الأمريكي الجديد لاستكشاف القمر. ستنضم المملكة العربية السعودية بتوفيق الله إلى مجموعة من الشركاء في هذا البرنامج الذي بدأ، وسيشهد أول مرحلة تحول في 2024.. وتشمل المجموعة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، والولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وأستراليا، وكندا، واليابان، ولكسمبورج، وإيطاليا.

فضلاً لاحظ أنها لا تشمل الدول التي هبطت فعلياً بشكلٍ أو بآخر على سطح القمر، وأهمها روسيا والصين. وهذه الاتفاقية تستحق وقفة تأمل، لأنها اتفاقيات ثنائية بين أمريكا والدول المذكورة فقط، وهي ليست اتفاقية دولية كما كانت سالفتها.. وتحديداً، فقد وقَّعت معظم دول العالم مجموعة اتفاقيات دولية عام 1967 ثم 1979، و كانت عبارة عن اتفاقيات تهدف بطريقة بدائية إلى حوكمة الأنشطة في الفضاء، وعلى سطح القمر، والأجرام السماوية الأخرى. كُتبت وطُبِّقت هذه الاتفاقيات لضمان عدم «عسكرة» الفضاء الخارجي والقمر.. وعلى منع الاحتكار، ومنع تحويله إلى ساحة نزاعات وصراعات.

زيارة القمر اليوم تختلف عما كانت قبل خمسين سنة.. في السابق كانت زيارات القمر أشبه بتأشيرة «زيارة سياحية»، واليوم هي أشبه «بإقامة» طويلة الأمد.. إقامة استكشاف، وتنقيب، وتطوير تقنيات جديدة.

بدأتُ المقال بذكر أهمية القمر للبشر، ولكن أهميته في عالمنا الإسلامي لها طابعها الخاص جدا، فبالإضافة إلى تخصيص سورة كريمة كاملة للقمر في القرآن الكريم، ذكر في متن المصحف الشريف ما لا يقل عن 25 مرة.. وهو أساس قياس الزمن في عالمنا، ولذا فنُرحِّب بالخطوات السلمية الجادة نحو استكشاف عالم القمر الرائع.

* أمنيــــــــة:

بالرغم من صدور الأخبار الخاصة باتفاقية «أرتيموس»، ومستوى التفاؤل حول مستقبلها البحثي المشرِّف إن شاء الله، إلا أن هناك المزيد من الإيضاحات التي ننتظرها حيال مواجهة تحديات: تطويع استخداماته للأنشطة العسكرية.. وآليات استغلال الموارد الطبيعية القمرية.. واحترام قواعد حوكمة استغلال القمر والفضاء بشكل عام.. أتمنى أن نُوفَّق في تطبيق هذه المحاور المهمة، وأن تصعد البشرية برسالة ومهمة واضحة إلى هذا الجار السماوي المهم.. والله يُوفِّق الجميع لما فيه خير البشرية، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store