Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

نحن والآخر.. مقارنات البُلَهاء

A A
من حين لآخر، يخرج لنا (متحذلِقون) لينصبوا موازين المقارنات بين أسماء بارزة في محيطنا المحلي وأسماء بارزة في محيط (الآخر)، وخصوصًا في محيط المجتمعات الغربية. المقارنة تعد وسيلة لإبراز الفوارق بين شخصيتين أو مؤسستين، شريطة أن تكون لهما الممارسات نفسها والإمكانيات نفسها والبيئة نفسها، هنا تكون المقارنة منصفة، وعلى ذلك تكون النتائج صادقة لا صادمة، وعلى هذه النتائج يُبنى الحُكم وتُتَّخذ الإجراءات والقرارات اللاحقة تعزيزًا أو تهذيبًا.

ما يحصل من بعض المتحذلقين في المحيط (المحلي) خلاف ذلك؛ فالمقارنات لا تنطلق من قاعدة مبررها أن الاسمين المراد المقارنة بينهما متشابهان، في حين يشي الواقع بأن بين هذين الاسمين اختلافات جذرية في الأهداف والمنطلقات؛ والتوجهات والممارسات، ومن هنا كانت مثل هذه المقارنات في حُكم المقارنات (البَلْهاء)، التي لا تأخذ في اعتبارها تلك المنطلقات ولا تعبأ بها. يأتي أحدهم -قَصْدًا- فيصطفي اسمًا (غربيًّا) بارزًا برع في الطب أو الهندسة أو البرمجيات والتقنية، أو علوم الطبيعة والفضاء، ليُجري مقارنة بينه وبين اسم محليٍّ بارز، لكن ليس له من تلك التخصصات والممارسات نصيب، وإنما هو بارع في مجالٍ آخر مُغاير لتلك التخصصات والممارسات؛ كأن يأتي باسم محلي له حضوره في مجال العلوم الشرعية أو الوعظ، أو له حضوره في مجال الثقافة (شعرًا أو نثرًا)، أو في مجال التربية أو الإدارة، ثم يُجري المقارنة بين (الآخر والمحلي)، ثم يخرج لنا بنتائج تُعد (صادمة) في نظره؛ حين يرى فاعليةَ (الآخر) وعِظمَ منجزه وجودةَ مُخرجه (المادي الملموس)؛ مقارنةً بفاعلية (المحلي) ومنجزه ومخرجه، ومنجز المحلي هذا لا يخرج -في نظر المتحذلق- عن كونه (مجرد رصف كلام)، وعليه يخرج لنا هذا المتحذلق بنتائج يعدها (سَبْقًا)؛ حين يرى نفعَ الآخر وضرورتَه، مقابل عدم نفع المحلي وعدم ضرورته، وحيث إن هذه النتائج منطلقاتها خاطئة وغير منصفة وغير موضوعية؛ لذلك فهي نتائج غير صادقة، لا يُمكن القبول بها.

يمكن القبول بنتائج المقارنات فقط حينما تكون منطلقاتها موضوعية، وحينما تقارن بين اسمين لهما الاهتمامات والممارسات والإمكانيات ذاتها، كأن تقارن بين طبيب غربي وطبيب محلي يُمارسان التخصص نفسه، ويملكان الإمكانيات والبيئة ذاتها، أو بين مُبشِّر غربي وواعظ محلي، أو مُفكِّر غربي ومُفكِّر محلي.. إلخ. بهذا يتضح عوار تلك المقارنات التي تنطلق من منطلقات غير موضوعية، وتغلب عليها الذاتية، وغاياتها النهائية التشفي والسخرية وجلْد الذات، ومثل هذه المقارنات لا يمكن الاعتداد بها، وليست إلا مجرد فرقعات ضررها يتجاوز نفعها؛ لأن منطلقاتها غير عادلة، ومعاييرها غير منصفة، ولا يمكن أن يُطلق عليها مُسمَّى مقارنات. هذه المقارنات لا تتوقف على المقارنات بين (المحلي والآخر)؛ فهناك أيضًا مقارنات غير موضوعية على المستوى (المحلي-المحلي)؛ فتجد من يعقد المقارنات بين نتاجَي (مفكر وواعظ) محليين، أو بين منجز (طبيب وإداري) محليين، أو بين جدوى (معلم ولاعب) محليين.

المريب والمضحك في أمر المقارنات -وخاصة بين المحلي والآخر- هو (تعمُّدُها وقصديتُها) الربطَ بين أسماء غربية ذات مهام (علمية أو تقنية أو طبية..) وبين أسماء محلية لا تُمارس المهام نفسها؛ وإنما مهامها تنحصر في الدعوة والوعظ، أو الفكر والثقافة، أو التربية والإدارة، وكأنَّ مَن يقومون بهذه المقارنات لا يعلمون الفوارق بين هذه المهام والفوارق بين مخرجاتها المترتبة عليها، وكان حريًّا بمَن عمَدوا لهذه المقارنات أن يقارنوا الأسماء (العلمية والتقنية والطبية) ومنجزاتها لدى الآخر بنظائرها المحلية (العلمية والتقنية والطبية)؛ شرط تماثل الإمكانيات والبيئة بينهما، وهذا من تمام الموضوعية والعدل، والحال نفسها تكون مع المقارنات على المستوى المحلي.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store