Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

الرؤية الإسرائيلية للتعاون الإقليمي بينها وبعض الدول العربية!

A A
تردد مؤخراً أنّ هناك مشروعًا أمريكيًا لإيجاد نوع من التعاون الإقليمي بين إسرائيل وبعض الدول العربية الشرق أوسطية لمواجهة الخطر الإيراني، وهذا أعادني بالذاكرة إلى كتاب «الشرق الأوسط الجديد» للرئيس الإسرائيلي الأسبق «شمعون بيريز» الصادر سنة 1996م؛ إذ رسم الرؤية الإسرائيلية للسلام مع العرب والتعاون الإقليمي بينهما. وهو كتاب خطير، حيث يطرح قضية السلم مع إسرائيل لعدم جدوى الحروب، ليتحقق من خلالها الهيمنة الإسرائيلية على الدول العربية الشرق أوسطية التي لم تتحقق من خلال الحروب، مدعيًا بقوله: «فالعرب لا يستطيعون هزم إسرائيل في المعركة، وإسرائيل لا تستطيع إملاء شروط السلام على العرب».. كما قال: «لا جدوى في الإبقاء على الأمر الواقع لإسرائيل ولا للفلسطينيين.

فالفلسطينيون لن يهزموا إسرائيل». إذًا، قرر بيريز أنّ الفلسطينيين والعرب لن يهزموا إسرائيل، وبالتالي عليهم أن يخضعوا للسلام بالرؤية التي قدّمها في كتابه، وهي نزع سلاح الدول العربية الشرق أوسطية، مع الإبقاء على سلاح إسرائيل، لفرض سلطتها على النظام الإقليمي، فقال: «الوقت لم يحن بعد لتفكيك أسلحتنا وإعادة جنودنا إلى بيوتهم.

إنّنا لا نجرؤ على السقوط في سذاجة قادة الغرب بعد الحرب. إلّا أنّنا نستطيع على أية حال، أن نؤسس لعملية تدريجية بعيدة المدى من نزع السلاح المتقابل. وذلك سيرسخ الشقة بين الأمم المتعاونة ويفرض سلطة النظام الإقليمي».

إذًا، فرض النظام الإقليمي الذي دعا بيريز لإنشائه في الشرق الأوسط، يقوم على التعاون بين العرب وإسرائيل في مختلف المجالات، وبناء طرق وتمديد خطوط السكك الحديدية وتحديد المسارات الجوية، وربط شبكات النقل، وتوفير النفط والماء في كل مكان، وإنتاج البضائع والخدمات، ويجب أن تكون إسرائيل ذات سيادة فيه، وذلك بسبب تقدمها التكنولوجي، مشيرًا إلى تفوق إسرائيل في المجال الزراعي، فيقول: «تمتلك إسرائيل مزية نسبية في استخدام الأبحاث الأساسية والتطبيقية في الزراعة والتصحر، وقد تمكنت من زيادة دخلها الزراعي حوالى اثني عشر ضعفًا خلال خمسة وعشرين عامًا من 1950- 1975 تقريبًا دون زيادة حجم الأراضي الصالحة للزراعة، والتقدير هو أنّ 95% من الزيادة تحقّقت نتيجة العلم والتكنولوجيا والتخطيط، وهي مستعدة لوضع معرفتها تحت تصرف جيرانها، ليس من قبيل حب الغير، ولكن لأنّنا نعيش جميعًا في هذه المنطقة.

وهنا يتجاهل بيريز خبرة العرب بالزراعة منذ آلاف السنين، وكلنا يعرف عندما تعاونت وزارة الزراعة المصرية -فترة تولي «يوسف والي» وزارة الزراعة- مع إسرائيل، صدّرت إسرائيل إلى مصر مبيدات حشرية مسرطنة، مما أدى إلى انهيار زراعة المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والقطن والأرز، واستبدالها بزراعة محاصيل أخرى. ونجد بيريز في كتابه يلهث من أجل سوق شرق أوسطية، الأمر الذى يبدو مرادفًا لما سبق وأن دعا إليه «هرتزل» من قبل، والمتمثل بـ(كومنولث شرق أوسطى)، تكون السيادة فيه للدولة اليهودية، فهم لا يريدون سلامًا مع العرب، وإنّما استسلامًا من العرب لإسرائيل، لتصبح ذات سيادة وهيمنة على البلاد العربية.

لقد دس بيريز السم في العسل بدعوته الظاهرية للسلام التي لا تخفي الإستراتيجية التوسعية التي التزم بها قادة إسرائيل والحركة الصهيونية حتى من قبل قيام دولتهم على أرض فلسطين، فهو يطالب العرب بنسيان تاريخهم، فهم من وجهة نظره خليط غير متجانس، ومقابل ذلك يُبشِّر اليهود بأرض الميعاد، ويعدها حقيقة غير قابلة للجدل؛ إذ نجده عند حديثه عن طرق السكك الحديدية قد ركّز على خط سكة حديد الحجاز لربطه حيفا بدمشق وامتداده إلى المدينة المنورة «هدف إسرائيل في تكوين دولة إسرائيل الكبرى».. ويؤكد بيريز في كتابه أنّه يجب على دول الشرق الأوسط أن تلغي التفكير في المصلحة القومية لصالح التفكير في المصلحة الإقليمية، وما يقتضيه ذلك من تجاهل لأحداث التاريخ بين العرب وإسرائيل.. فهو لم يعتبر الفلسطينيين شعبًا؛ ولا يعتبر فلسطين اسمًا لبلدهم، فيقول: «المعروف أنّ البريطانيين استولوا على البلد الذي كان يُسمَّى فلسطين من الأتراك عام 1917م»، متجاهلًا ورود اسم «بلاد الفلسطينيين في التوراة»، وتغرُّب إبراهيم في أرض فلسطين أيامًا كثيرة.. ثم يقول: «ومن الناحية الإستراتيجية فإنّ إسرائيل مهتمة بخط الدفاع المتقدم، والذي يبدأ بنهر الأردن، في حين أنّ الفلسطينيين يركزون على الناحية القومية، ويشيرون إلى الطبيعة السكانية للضفة الغربية وغزة اللتين ما تزال أراضي 90% من سكانهما؛ من الفلسطينيين، وهنا اعتراف من بيريز أنّ الفلسطينيين يشكلون 90% من سكان الضفة الغربية وغزة، رغم حملات الاستيطان المكثّفة.

وهكذا نجد أنّ أي تعاون إقليمي بين الدول العربية الشرق أوسطية وإسرائيل، تهدف منه الأخيرة بسط هيمنتها على هذه الدول، بدعوى نبذ الحرب، وبسط السلم، لأنّها لم تجد جدوى من الحروب، تمامًا كما رأت أمريكا أنّه لا جدوى من الاحتلال العسكري للبلاد العربية بعد احتلالها للعراق وأفغانستان، ورأت أن تسيطر على هذه الدول عن طريق الفوضى الخلاقة، فأثارت النعرات الطائفية بين شعوبها، وسلَّمت دول المنطقة لإيران والإخوان، ليتحول الصراع بين السنة والشيعة، ليُدمِّر بعضهم بعضًا، عندئذٍ تتمكّن بسهولة من بسط هيمنتها عليهم من خلال إسرائيل التي ستصبح القوة الكبرى في المنطقة.. فما هي النوايا الخفية من مشروع التعاون الإقليمي المطروح؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store