جاثوم الكاتب

يعاني بعض الكُتّاب من «حبسة» تُعكِّر عليهم صفو كتاباتهم، وتضطرهم للتوقف عن توليف الجُمَل، على الرّغم من تدفّق الأفكار والمعاني في أذهانهم المُفعمة بالضجيج، فتُشعرهم بالإحباط، بسبب فشلهم في القبض على التعابير المُناسبة؛ لما يجول في خلجاتهم من خواطر، وأوصاف، وقضايا، وحوارات.

ويتحيّر الكاتب في حالته، فهل هي نضوبُ وانحسار مهارته، أم علامة على افتقاده المهارة من الأساس؟! وفي الواقع، يمكن أن تصيب حالة «حبسة الكاتب» جميع الكُتّاب، المحترفين منهم والهواة، وبدايتها ونهايتها لا يمكن توقّعها، وتتسبّب في معاناة فظيعة جراء الاحتقان النفسي وانحسار المتعة، والشعور بالخواء، وتنتج عادة من تقريع الكاتب لنفسه، وإفراطه في انتقاد إنتاجه، والهوس بتنقيحه وإتقانه، أو ضعف ثقته بقدراته، أو التزامه بمعايير إبداعيةٍ عالية جدّاً، فيضطر إلى الانتظار المُحبِط، أو الثرثرة بجُمَل مُنفعلة غير محبوكة، وألفاظ مكرّرة مُبتذَلة، تزيد من قهره، وتنتهي به إلى إلغائها ورفضها، والعودة للمربّع الأول دون نتاج مُعتبَر.

ومن أسباب تلك «الحبسة»، القيود المُجتمعيّة.. فيكتب أحدهم ما لا يُعبر تماماً عمّا يريد قوله، توخّياً للنجاةِ والسّلامة، وتجنّباً للأحكام المُسبَقة، ونتيجة خلوّ محيطه من عقول متسامحةٍ مُتفهّمة، وأحياناً وصوله إلى نقطة اللّاعودة، فيعلَق وسط طريق مُؤَلَّفه، لا يلوي على وجهةٍ ولا منحى، أو نهاية واضحة.

ويتأثّر الكاتب بأزمات عاطفيةٍ واجتماعيةٍ وسياسيةٍ ومادّية، أو اضطرابات مزاجية، تحرمه التفرّغ والصفاء اللازم لتلقّي إلهام الكتابة، وتمنع عنه القدرة الذهنية لخطّ الكلمات المناسبة، كما يحدث في نوبات الاكتئاب الحاد، التي تتبع مرحلة العصف الدماغي والهوس الإبداعي.

لا علاجات واضحة أكيدة لمُعضلة «حبْسة الكاتب»، لكن منها: التجاهل والانتظار، وإهمال حدّة الناقد الداخلي، واعتبار الكتابة وسيلة استرخاء لا قلق، وتجنّب الكتابة على طريقة كاتبٍ آخر، أو الكتابة من أجل المديح والشُّهرة، فضلاً عن تهيئة الأجواء المنزلية أو المكتبية بحسْب عادات الكاتب وتفضيلاته، كما أنّ للإشباع العاطفي والاكتفاء من النوم الجيّد، أثراً واضحاً في مقاومة ذلك «الشلل» الفكري البغيض.

بقي أن أُنبّه على أنّ علاج اضطرابات المزاج كالاكتئاب، يمكن أن يُعيد توازن النواقل العصبية في دماغِ الكاتب، ويوفّر له شعور العافية، مما يشجّعه على العودة الحميدة لممارسة فنّ الكتابة.