Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

طهـــــارة

A A
كلمة حجازية قديمة ترمز إلى بيت الماء، أو بيت الراحة، أو الحمَّام، أو التواليت حسب المكان والزمان.

وأكيد أن طرائفها كثيرة، وإليكم ملخص طُرفة من عالم الفضاء: في سباق الفضاء الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، كانت أمريكا في الطليعة، ولكنها صُدِمَت بتفوُّق الاتحاد السوفيتي عندما أرسل أول قمر صناعي بتاريخ 4 أكتوبر 1957 وأسموه «سبوتنك»، ثم جاءت الصدمة الأكبر عند قيام الرائد السوفيتي «يوري جاجارين» برحلته التاريخية بتاريخ 12 إبريل 1961، ليصبح أول رجل في الفضاء، وأول إنسان في المدار حول الأرض عندما أكمل لفَّة كاملة في حوالى مئة دقيقة في مركبته من طراز «فستق 1»، ثم هبط سالما. شكَّل ذلك مهمازاً كبيراً في السباق، فعجَّلت أمريكا رحلة أول رجل إلى الفضاء الخارجي.. وتحديداً تم اختيار «آلان شيبرد»، ليقوم برحلة قصيرة مدتها حوالى ربع ساعة فقط إلى الفضاء الخارجي. طبعاً لم تقارن برحلة السوفيتي «جاجارين»، لأن تعريف الفضاء الخارجي يبدأ من ارتفاع مئة كيلومتر فقط، بينما المدار حول الأرض؛ يتطلب قوة دفع أعلى ودقة أكبر في التحكم والتوجيه والحماية.

ولم تُنافس الولايات المتحدة رحلة السوفييت المدارية، بسبب عدم جاهزية معداتها، وبالذات صاروخها، ولكنها كانت خطوة أحسن من لا شيء.. وفي صباح يوم 5 مايو صعد الرائد الأمريكي «شيبرد» إلى مركبته في الساعة الخامسة والربع، وبدأ العد التنازلي للانطلاق الساعة السابعة والربع، ولكن الرحلة تأخَّرت لمدة تفوق الثلاث ساعات، للعديد من الأسباب الفنية، وكان الرائد مثبتاً على كرسيه بوضعية الانطلاق، أي أنه كان مستديراً بتسعين درجة، نسبةً إلى أرضية المركبة، وكان على ظهره، ورجليه مرتفعتين. وبسبب التأخير تفاجأ الطاقم الفني بطلب «شيبرد» بمغادرة المركبة لاستخدام بيت الماء.. وكان الطلب مفجعاً للجميع، فلم يكن في الحسبان أن رحلة قصيرة مدتها ربع ساعة ستتطلب إيقاف المعدات، وفك المستشعرات لكي يغادر الرائد المركبة، لقضاء حاجته.. وهنا نشأت مأساة فنية، فلم يشأ الفريق المسؤول عن الإطلاق أن تُؤجل الرحلة، واجتمع كبار مهندسي إدارة الطيران والفضاء الوطنية «ناسا» لمناقشة التحدي، فكانت تدابير السماح لأول رائد فضاء في تاريخ أمريكا لقضاء حاجته في بدلته أثناء جلوسه في كرسيه بداخل المركبة.. وتم تقدير كمية السوائل المتوقعة من خلال رصد كمية القهوة، وعصير البرتقال الذي شربه ذلك الصباح.. وتم حساب الأثر على الدوائر الكهربائية التي ستتأثر بالسوائل، واحتمالات أن تتعطل بعضها.. وتم تقدير خطورة الحرائق أيضا.. وصعق رائد الفضاء.. يعني باختصار كانت أعقد عملية قضاء حاجة في التاريخ آنذاك.

الشاهد أن في الساعة الثامنة صباحا، سمحت قيادة الرحلة في إدارة الفضاء الأمريكية -»بكبرها»- لرائد الفضاء بإفراغ مثانته بحرص شديد.. وتدفَّق السائل إلى بذلته فأصبح ظهره مبتلا.. وأصبحت كبسولة الفضاء «فريدم 7» عبارة عن أغلى طهارة في تاريخ البشرية.. ورحلتها الأكثر عفونة طبعا.. وللعلم فحجم كبسولة الفضاء كان صغيرا جدا.. أقل من مترين مكعبين، وهو أقل من أربعة أمثال حجم شنطة سيارة التويوتا «كامري».

* أمنيــــــــة:

مما لاشك فيه أن هناك ملايين الطرائف عن دورات المياه على الأرض، وفي البحر، والجو، ولكن أعتقد أن قصصها في الفضاء تستحق وقفات تأمل، خاصة بسبب تدابيرها الهندسية، وتكاليفها.. أتمنى أن نتذكَّر أن تقنيات دورات المياه ساهمت مساهمة جذرية في تشكيل الحضارة كما نعرفها اليوم على كوكبنا وخارجه.. وهي بدون شك من أجمل نعم الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store