Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

«إثراء» و«جسور الشعر».. هل تاهت البوصلة؟!

A A
لمركز «إثراء» الثقافي بالظهران جهوده البارزة في دعم المبادرات الثقافية، ومنها مبادرة (جسور الشعر)، التي تهدف إلى تقديم الإبداع الشعري السعودي بلغاتٍ عالمية، وإيصاله للآخر عبر جسر الترجمة، وكانت البداية بالترجمة إلى اللغة الفرنسية، ليصل الشعر السعودي إلى المكتبات والمتلقي الناطق باللغة الفرنسية في الدول الناطقة بها (الفرنكوفونية).

حينما بدأت مبادرة جسور الشعر بالشعر، فإنما بدأت بالمشترك الإنساني ممثلاً في الشعر، الذي هو لغة عالمية متداولة بين شعوب العالم على مختلف لغاتها وأجناسها وثقافاتها، غير أن الملاحظ على المبادرة هو انحياز بوصلتها لنوعٍ من الشعر السعودي، وأعني به (قصيدة النثر)، في حين أغفلت نوعين آخرين هما: (قصيدة التفعيلة) و(القصيدة العمودية)، والأخيرة هي منطلق الشعر العربي ولسانه المبين، ولاتزال هي الأبرز في الوطن العربي، بل إن الإقبال عليها (إنتاجًا وتلقيًا) أصبح لافتًا للنظر في الآونة الأخيرة؛ بعد أن طوَّر الشعراء أدواتهم، وارتقَوا بها على مسألة الاهتمام بالإيقاع الخارجي (الوزن والقافية) فقط؛ ليعتنوا كذلك عناية فائقة بعنصر التخييل الذي يُمثِّل الحد الثاني في جماليات أي قصيدة.

لم تتوقف مسألة انحياز مبادرة (جسور الشعر) على الاقتصار على ترجمة قصيدة النثر وحدها؛ بل شكلت الأمسيات الشعرية التي صدح بها الشعراء في قاعة المركز تحيزًا آخر؛ مال لصالح قصيدة النثر؛ فرأينا شعراء أمسيات المبادرة والمركز؛ ممن يكتب قصيدة النثر، بالتالي كانت أمسيات المبادرة قصائد نثر، وكانت ترجمات المبادرة لقصائد نثر أيضًا، وهذا ربما يكون راجعًا لكون القائمين على مبادرة (جسور الشعر) هم ممن يكتب قصيدة النثر. وحتى لا أستبق الأمور، فربما أن النية قائمة لدى القائمين على مبادرة جسور الشعر، ولدى القائمين على مركز إثراء للالتفات للشعر السعودي (العمودي والتفعيلي)، لتصله يد الترجمة ويُدفع به للآخر.

هنا نتوقف عند مسألتين: الأولى- من المعلوم أن جذور قصيدة النثر مَنشؤها غربي -مع أن هناك من يجد لها أصلاً في التراث العربي بما كان يُعرف بالأقاويل الشعرية- بمعنى أنها نتاج الذائقة الغربية، بالتالي فحينما نصدِّر للآخر قصائدنا النثرية، فلسنا نأتي له بجديد؛ ما دمنا رجع صدى لذائقته الشعرية التي تميل للهدوء؛ ممثلاً في هدوء قصيدة النثر وسكونيتها، وكان حريًّا بنا أن نأتي له بجديد يُعبر عنَّا، ويَلفت انتباهه، ويُصادر آفاق توقعاته، ويُزلزل ذائقته، ويختبر لغته، ويجعله يعمد للمقارنة، ويجهد في السؤال والتحليل، لكننا بترجمتنا قصيدة النثر المحلية لم نأتِ له بجديد، فقط أعدنا له بضاعته، فكأننا نتمثل قول الشاعر العربي مع تصرف يسير: «ما أرانا نقولُ إلا مُعارًا/ ومعادًا من (قولهم) مكرورا». المسألة الثانية تتمثل في صعوبة ترجمة القصيدة العمودية، وهذه المسألة يعترف بها المترجمون، وقد قرأتُ لاثنين من أبرز المترجمين السعوديين اعترافهما بصعوبة ترجمة الشعر العربي العمودي؛ نظرًا لقيامه على البحور الشعرية، وتكثيفه الصور الشعرية، وغير ذلك من المبررات، وهذا الأمر أراه من أهم العوائق دون حصول الشعر العربي (العمودي) على جائزة نوبل، وقد بينتُ ذلك في مقالي (الشعر العربي ونوبل.. لا أمل!). لكن، إذا كانت لغة الآخر (قاصرة) عن ترجمة شعرنا العمودي (المغاير لشعرهم النثري)، فهل نعود باللوم على لغتنا وذائقتنا؟.. ألا يشي هذا بعجز لغة الآخر وتدني ذائقته؟.. لماذا لا نقول إن لغة الآخر قاصرة عن ترجمة شعرنا؟.. تخيلوا أن المعادلة كانت مقلوبة؛ بحيث تكون القصيدة العمودية هي نتاج لغة الآخر، ولغتُنا العربية وذائقتنا لا تنتجان سوى قصيدة النثر، ثم رغبنا نحن -أو هُم- في ترجمة قصائدهم العمودية إلى لغتنا، لكن لغتنا عجزت عن ذلك، بربكم إلى أين ستتجه بوصلة الاتهام؟.. وأي نقد وسخرية وتهكُّم وتُهَم وازدراء ستقع على لغتنا العربية؟.. وفي فمي ماء.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store