Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محمد بشير كردي

ميزان طيبة المباركة وسنبلتها

A A
يُحكى أنَّ المقام العالي في إستانبول، زمن السلطنة العثمانيَّة اختار أحد المقرِّبين لمنصب الوالي في المدينة المنورَّة، فسجد شاكرًا لله تعالى على فضله وكرمه.. فمنصب والي المدينة المنوَّرة يطمح إليه عليةُ القوم.. ففي مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام تتبارك الإقامة وتطيب ساكنًا وزائرًا.. وكرمًا من الله تغدو البركة بركتين، فالحياة فيها أمن وأمان وراحة بال. مسلحًا بتسلُّمه (فرمان) الولاية، كان وصوله في فصل الشتاء، والطقس معتدل وجميل، خلافًا لما عليه الحال في إستانبول.. وما إن حلَّ فصل الربيع، وأعطت الأرض أُكلها من ثمار وفاكهة وخضراوات وورود وزهور، ليزداد الوالي سرورًا وزهوًا، ولكرم ضيافة وجهاء المدينة المنوَّرة ومآدبهم في مزارعهم وبساتينهم واستراحاتهم، وما يصاحبها من جلسات سمر وعزف على العود وضرب على الرق وشدو الأغاني الشعبيَّة وإنشاد الموشحات الدينيَّة.. ولأنَّ الأيَّام تُداول بين الناس، ما إن حلَّ فصل الصيف، وحرارة الطقس ترتفع تباعًا، ويزيدها استعارًا هبوب رياح السموم التي تكاد تشوي الوجوه، حتَّى بادر بالتأفُّف والشكوى.. وما إن علم بمبرِّر هذه الرياح الساخنة في وقتها كلَّ سنة، وأنَّها لنضج التمور من بدئها صربان، ثمَّ زهوًا فبلحًا، لتتدلَّى عرجونًا يحمل مئات الحبَّات.. وأنَّ نخيل مزارع المدينة المنوَّرة تعطي نحو مئة نوع من التمور متعدِّدة الشكل والمذاق، وهي مورد رزق المزارعين ودعم اقتصادهم.
وكمن يلوم الكفَّ لحمل السيف أو القلم، وقعت الإجابات على أذن صمَّاءِ صاحبها الوالي الآمر الناهي، أفتى بقطع نخيل المدينة المنوَّرة وما حولها لقطع دابر رياح الخماسين...! استهجن الناس ما صدر عن الوالي من قطع الأرزاق وجهله بحكمة الله وما قدَّره لكلِّ شهر من فصل الصيف.. ومنذ أن وجدت الأرض المباركة، واعتادها أهلها.. ففي شهر الميزان تبرد المياة.. وفي شهر السنبلة ما يشبه السم والبلاء.. وما إن شاع ما أفتى به، حتَّى قطع الله رزقه من المدينة المنوِّرة، واستدعي إلى إستانبول عائدًا بخفٍّيه.. وهو الذي غاب عنه ما روي عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ».. وأَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حثَّ على الصبر على لأوائها وشدَّتها، في قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».. ويبقى كلام الله ورسوله السرمدي الأبقى.. وما سواه إلّا عقم الكلام. كتب الله لنا الخاتمة في طيبة الطيِّبة، وأن يكون مثوانا في بقيع الغرقد بالقرب من مثوى رسولنا الكريم بجوار آل بيته والصحابة، رضوان الله عليهم، ومن سبقنا من الأهل والأصحاب إنه سميع مجيب الدعاء.
contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store