Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
منى يوسف حمدان

القيادة المؤسسية الملهمة في المنظمات

A A
الدراسة الأكاديمية في الجامعات عن فنون القيادة ومقومات النجاح المؤسسي بوجود قائد ملهم يحرك فرق العمل نحو تحقيق الهدف لن يكفي إطلاقًا، ولا الالتحاق بالدورات والبحث في الكتب والمراجع مهم للغاية عن سير العظماء من القيادات في كل المجالات مهم ولكن لا يكفي للحصول على النتيجة المرجوة في استنساخ قصص النجاح والتفوق القيادي.. كما أن دورات التخطيط والتميز لا تجعل منك مخططًا ناجحًا ولا متميزًا إن لم تمارس هذه المهارات وتتعلم بالمعايشة والقرب من ذوي الخبرة والتجربة خير برهان.. كثر هم المنظرون وقليل هم العمليون الممارسون.

بعد مرور ما يقارب ربع قرن في مجال العمل الرسمي والتطوعي وعدد من المهام الوطنية التي عملت فيها مع شخصيات قيادية استثنائية عرفت عن قرب سمات القيادة الملهمة وكنت أرى وأراقب مقدار الشغف الحقيقي لدى القادة الملهمين وقربهم من فرق العمل بطريقة عجيبة للغاية، من يستعرض أسماء المتميزين في قياداتهم يعرف يقينًا أن هذه الكلمات نابعة من صميم الواقع الذي نعيشه.

الرؤية الواضحة مع الشغف والنزاهة والالتزام بالتميز سمات مشتركة بين هؤلاء القادة الملهمين تحدث معي قائد ملهم في حياتي وهو الأستاذ القدير حامد السلمي مدير التعليم للبنات بينبع سابقًا، والمتقاعد حاليًا وسيظل أستاذي وملهمي على مر السنين ومن عملت معه وحققت إنجازًا فريدًا في المدارس السعودية الرائدة للبنات بينبع حيث قال لي: القائد لابد أن يكون متفائلاً بالمستقبل المشرق، والقائد الحقيقي لا يعرف قلبه الحقد والضغينة ولا الحسد ولا الغضب وكنت أسطر كلماته بعد كل مكالمة أتلقاها منه ومازلت أحتفظ بها في مذكراتي ومنها:

لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب

ولا ينال العلا من طبعه الغضب

القائد الملهم مثقف مطلع دائم البحث عن الجديد في علم الإدارة والقيادة يمتلك مفردات لغوية مؤثرة وصادقة وملهمة يستعين بربه ويطلب العون منه في كل لحظة وحين، قادر على اتخاذ قراراته المصيرية بعدالة وبعيدًا عن المصالح والأهواء الشخصية، يحسن اختيار مستشاريه ومن يحيطون به ويستفتي قلبه في كل وقت قبل أن يقرر في الفصل بين الأمور في إدارته.

فنون الاتصال المؤسسي لا يتقنها كثير من القادة ومن لا يتقن هذه الفنون الاتصالية ويكتفي بما يسمع ويصل الى مكتبه من المقربين إليه سوف تنهار مؤسسته وهو لا يشعر وسيفقد كثيرًا من مكانته وستنهار معها قيمته ولن يثق فيه أحد وستنشر في أروقة العمل روح الإحباط والتشاؤم وعدم الرغبة في الإنتاجية للإحساس العميق بأن صوتهم لن يصل وحقوقهم مهدرة وهناك من استأثر بالحظوة عن قائد هذه المؤسسة فلا يرى إلا من خلالهم ولا يسمع الا أصواتهم.

القيادة الملهمة في المؤسسات الناجحة تراها بوجوه مشرقة مضيئة تستشعر في صحبتهم بأنك مقبل على أيام خير تعم الجميع، وتقدر من يعمل معها وما أجمل ذلك الشعور عندما يستوقفك قائد عظيم يشار له بالبنان على مستوى رفيع جدًا ليقول لمن معه: (هذا الإنسان يعمل معي بحرفية وله دور بارز في نجاح خطط العمل).

وأنا أكتب هذه الكلمات أجد مشاعر الفخر والاعتزاز بتلك الكلمات من شخصية استثنائية في حياتي الشخصية وقد لا التقي به بعد كل تلك السنوات التي جمعتنا وكل النجاحات التي حققناها معًا باسم الوطن، يعود لذاكرتي القريبة البعيدة فعاليات مؤتمر الشباب والتطوع في جدة والذي شارك فيه شباب من كل انحاء العالم واجتمعت فيه عدد من الجهات لتنظيمه وبقيادة مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومشاركة وزارة التعليم ومنظمة الكشافة العالمية، توقف معالي الأمين لمركز الحوار الوطني آنذاك -الأستاذ فيصل بن معمر- عند مدخل الفندق وفي معيته معالي الدكتور زياد الدريس ليعرفه على امرأة عضو في فريق العمل وهذا والله من أروع المواقف القيادية التي عشتها في حياتي كلها وما توقف لساني عن الدعوات لهذ القائد الفريد من نوعه، وسأظل ممتنة لرب العالمين أن جمعني بمثل هؤلاء القيادات الملهمة في وطني، وفي نفس المؤتمر كنت أكتب مقالي الأسبوعي عن فعالياته وكانت معي الأستاذة آمال المعلمي سفيرة خادم الحرمين الشريفين حاليًا في النرويج -مساعد الأمين العام لمركز الحوار آنذاك- واقتبست في كلمتها الختامية في المؤتمر بعضًا من كلماتي وقالت أمام الجميع وعلى المنصة تلك كلمات صديقتي الكاتبة منى رئيسة اللجنة العلمية والإعلامية بالمؤتمر، بهرتني وفوجئت بكل ذلك التواضع الكبير من شخصية واثقة بنفسها وبقدراتها وإمكاناتها وإشادتها بمن تعمل معها هو قوة شخصية وفخر بمنظومة العمل.. تعلمت في أروقة الحوار الوطني فنون القيادة المؤسسية الملهمة وسأظل ما حييت أسطر مداد فخري بالدور الذي تقوم به هذه المؤسسة الوطنية لإعلاء منظومة قيم المحبة والسلام والحوار والتعايش السلمي وتقبل الرأي الآخر وتعزيز قيم الاعتدال والوسطية.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store