Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

أهمية التاريخ الأُسري والشفوي.. في كتابة مسيرة الأمم

A A
يهتم التاريخ الأُسري بالتطور الاجتماعي والعلمي والثقافي والاقتصادي لمجموعات الأقارب للأسرة الواحدة عبر العصور، وللأسرة دور أساسي في تكوين تاريخ مجتمعها المحلي، والذي يُعد لبنة أساسية في بناء تاريخ الدولة التي تنتمي إليها، وهي جزءً لا يتجزأ من تاريخ شعبها، فالبحوث والدراسات الخاصة بالتاريخ الأسري تعبر حدود التخصصات والثقافات؛ حيث تهدف من خلال فهم بُنْيَة الأسر ووظائفها في مجتمع ما إلى عرض العلاقات المتبادلة بين الأفراد وأقاربهم والزمن التاريخي، إضافة إلى أُسرٍ عريقة مُعتّم على تاريخها، والكشف عن وثائقها ومخطوطاتها رغم كثرة إسهاماتها العلمية والفكرية والدعوية والثقافية، خاصة الأسر العريقة التي تعمّد بعض مؤرخي المدن التعتيم على تاريخها من قبيل الغيرة.

وقد أظهرت دراسة التاريخ العائلي أنّ النظم الأسرية داخل مجتمعها تتمتع بالمرونة والتنوع الثقافي، وقابلة للتكيف مع الظروف البيئية والاقتصادية والثقافية والسياسية في مختلف الأزمنة والعصور، وتكشف عن حقائق ووقائع تاريخية من خلال:

1. دراسة للأحداث التاريخية والاجتماعية في تكوين السياق الثقافي للأسرة موضع الدراسة وعاداتهم، ودراسة تأثير الحروب عليها، مع دراسة النصوص والمخطوطات القديمة الخاصة بالأسرة، والتطرق إلى تاريخ تأسيس المدينة التي تنتمي إليها الأسرة موضع البحث، وبيان الحياة السياسية والاقتصادية والعلمية والفكرية والاجتماعية على مدى قرون منذ بداية مرحلة تاريخ الأسرة موضوع البحث.

2. معالم وآثار المدينة التي تنتمي إليها الأسرة وبيوتها وطرز عمرانها، ووصف مكونات البيوت من الداخل، وأدوات الإضاءة التي كانت تستخدم قبل الكهرباء، ومواقد الطبخ قبل البوتاجاز، واستخدام الأواني الفخارية لحفظ وتبريد مياه الشرب قبل استخدام الثلاجة، وتتمثل هذه الآنية في الأزيار لحفظ ماء الشرب، وكيف كانوا يستخدمون الحنفيات لغسل الأواني قبل مد المواسير إلى البيوت، وكذلك تسليط الضوء على بعض المصنوعات السعفية المتمثلة في المكانس والمراوح والقٌفف والحصِير وغيرها، وبيان بالصور ماذا كان يلبس الرجال، وماذا تلبس النساء، والعروس ليلة زفافها، وماذا كان يلبس الأطفال في الأعياد والأفراح؟.

3. الكشف عن وثائق ومخطوطات متعلقة بالأسرة وتاريخ مدينتها لم يتم الكشف عنها، ولم يسبق نشرها.. والتطرق إلى تعليم المرأة في الحقب التاريخية المختلفة التي مرت بمدينة الأسرة، وذلك لأنّ أغلب المؤرخين يُعتِّمون على إسهامات المرأة المسلمة في بناء الحضارة الإنسانية من خلال إسهاماتها العلمية، فهناك عالمات مسلمات أجزن كثير من العلماء.

4. نظام الأسرة الكبيرة في مجتمع مدينة الأسرة في العهود التاريخية التي مرّت بها، ودور المرأة في المجتمع، وألعاب التسلية للأهالي واحتفالاتهم.

5. المناصب الإدارية والمهن التي كانت سائدة في المجتمع، من خلال بيان المناصب الإدارية والحرف التي زاولها بعض أفراد الأسرة، والحياة الأدبية والثقافية. ومن مصادر التاريخ الأسري الآتي:

1. قد يستند التاريخ الأسري إلى التاريخ الشفوي، من خلال وجود من عاصروا أحداثًا وشخصيات من الأسرة بعد مطابقتها بالأحداث المثبتة تاريخيًا، وقد أطلق مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة مبادرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة بهدف توثيق وتسجيل مرويات لبعض الشخصيات بالمنطقة، وقد تمّ اختيار مائة شخصية من المدينة، وكنتُ من ضمن الشخصيات التي تم التسجيل معها، ونجد في موقع المركز فيديوهات لهذه التسجيلات.

2. كتب الرحلات الفردية، فهي تسلط الضوء على بعض التفاصيل من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في المدن التي يزورها، ويمر بها الرحالة في رحلته، مثل كتاب «مرآة الحرميْن» لإبراهيم باشا رفعت، فقد تناول الرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية، وبيّن جوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية في مكة والمدينة موثّقة بصور عن مبان وبيوت المدينة المنورة، وصور لكبار الشخصيات بهما يتبيّن منها ما كان يرتديه الرجال على اختلاف مهنهم؛ إذ حوى الكتاب مئات الصور استفاد منها المؤرخون، وكذلك كتاب: «حاج في الجزيرة العربية»، تأليف هاري سانت جون فيلبي (عبدالله فيلبي)، وترجمة أ.د.عبدالقادر محمود عبدالله، وقد زار عدة مدن، وكانت زيارته للمدينة فترة أمارة الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم للمدينة المنورة (1343 - 1355هـ).

3. سرد السِّير الذاتية جزء لا يتجزأ من تاريخ المدن والبلاد من خلال سرد صاحب السيرة.. الأحداث والتعريف بالشخصيات التي عاصرها، وتعد مراجع تاريخية يرجع إليها المؤرخون مثل كتاب حياة والجوع والحب والحرب للأستاذ عزيز ضياء رحمه الله، الذي وثّق ما تعرض له وأسرته، وأسر المدينة الذين رحلوا منها قسرًا في أواخر العهد العثماني في المدينة المنورة من مآسٍ فترة سفربرلك.. وغيرها.

4. مكتبات الأسر التي تحتفظ بوثائق ومخطوطات تتعلق بها، وبغيرها، ولكن للأسف نجد بعض هذه الأسر تحتفظ بما لديها دون السماح للباحثين والمؤرخين الاطلاع عليها والاستفادة منها في توثيق أحداث هامة، وقد تتعرض تلك الوثائق للفقد، ويُفقد معها جزءً من تاريخ بعض البلدان. والذي أرجوه أن يهتم المؤرخون والمثقفون والباحثون بتوثيق تاريخ أمتهم وأوطانهم ومدنهم بالتاريخ الأسري والروايات الشفوية والسير الذاتية والمكتبات الأسرية لتوثيق أحداث لم يتطرق التاريخ إلى جوانب منه.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store