Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

الإمبراطورية الأمريكية

A A
آخر أخبار الإمبراطورية الأمريكية تشير إلى أن حظوظ الحزب الديمقراطي الحاكم تتحسَّن، فيما يتعلق بالانتخابات النصفية القادمة خلال شهر نوفمبر، وأنه يبدو أن نخب أمريكية أخذت تسعى للتهدئة الإعلامية فيما بين الحزبين، بحيث تقوم عدة أجهزة إعلامية بتعديل حملتها ضد الجانب الآخر، وأبرزها قناة «سي إن إن» التلفزيونية، التي أخذت بإلغاء برامج وتعديل أخرى وإضافة محللين ومراقبين إلى برامجها. وفي نفس الوقت أدت التحركات البرلمانية تجاه تايوان وقيام قيادات برلمانية بزيارة الجزيرة، ورفع درجة التحدي السياسي تجاه الصين، أدت إلى كسب تعاطف شعبي مع الحزب الديمقراطي، ومن المتوقع أن يضيف توقيع اتفاق نووي جديد مع إيران، (يبدو أن هناك توجُّه لتوقيته قبل موعد الانتخابات البرلمانية النصفية بأمريكا ببضع أسابيع)، والحملة الإعلامية المتوقعة التي سوف تُمجِّد هذا الاتفاق، مما ستُصوِّره للرأي العام الأمريكي بأنه إنجاز تاريخي يُعيد مسار العلاقات مع ملالي إيران إلى نفس المسار الذي خطط له أوباما وفريقه، وأدى تدخل الحزب الجمهوري ودونالد ترامب، الرئيس الجمهوري، إلى الانحراف به عمَّا استهدفه الحزب الديمقراطي، مما يتوقع أن يُضيف نقاطاً أخرى لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي للكونجرس، ومناصب أخرى في عدد من الولايات.. وكل هذه التوقعات تُؤشِّر إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية؛ ستجد دعماً في الكونجرس، يُمكِّنها من تنفيذ بعض سياساتها الداخلية والخارجية، والإعداد لمعركة الرئاسة القادمة، التي لازال المرشحون فيها مجهولين.

الإمبراطورية الأمريكية لا تخفي رغبتها في الهيمنة على العالم قائلة: إن ذلك لمصلحة الناس حيث كانوا، ولحماية مصالحهم، وليس الأمر أنانية منها. وهي بنفس الروح التي كانت تدفع الدول الأوروبية في السابق إلى استعمار العالم لإصلاحه، وهداية الناس. وللأسف حارب الأمريكيون الأوائل الاستعمار، وساعدوا العالم على الخلاص منه، ولكنهم عادوا الآن بأطماع أخرى. بحجة أن الشعوب لا تعرف ما هو في مصلحتها، وأن الإمبراطورية الأمريكية هي التي تعرف ذلك، ولتحقيق هذا الأمر، تُدمِّر البلدان في سبيل الهدف الأسمى الذي حدَّده الليبراليون الغربيون، وهي أهداف تختلف في عدة نواحي منها، حسب رؤية المتطرفين الليبراليين، أو المعتدلين منهم، أو المحافظين فيهم.

ومن المعيب أنه في ظل هذه الهجمة الغربية التي تُشَن لتحقيق النظرة الليبرالية على العالم؛ لم يتمكَّن المُفكِّرون وأصحاب الرأي في دول العالم الأخرى من وضع تصوُّر لما هم يؤمنون به بشكلٍ يُوقف المد الليبرالي القائم، حتى وإن كان هذا المد الليبرالي يتم بدعم الآلة العسكرية الضخمة للإمبريالية العالمية، وأدوات قوية أخرى (أمثلة العراق، أفغانستان، أوروبا الشرقية، ليبيا وكثير غيرها). وعلى كل حال، فإن الوسائل الاستعمارية القديمة، التي استخدمتها الدول الاستعمارية الأوربية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، ستكون مفيدة في دعم الإمبراطورية الجديدة، وعاصمتها واشنطن. ولفت نظري ما ذكره أحمد المسلماني، كاتب وسياسي مصري، وعمل مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور، في مقال له مؤخراً بعنوان: «السودان بين المطرقة الأمريكية والسندان الصيني»، يذكر فيه أنه التقى باثنين من سفراء السودان السابقين. وأن الأول قال وهو يُلخِّص رؤيته لما يجري حالياً: الأمر ببساطة هو أن الولايات المتحدة الأمريكية فرضت علينا عقوبات، بينما جاءت لنا الصين بالاستثمارات. فمَن نختار برأيك؟، وقال الثاني: الأمر ببساطة أمريكا هي التي فرضت علينا العقوبات وعزلتنا عن العالم. وهي أيضاً التي يمكنها إلغاء العقوبات وإعادتنا إلى العالم. فمن نختار برأيك؟!.

سوف تُواجه دول وشعوب العالم تساؤلات من هذا النوع، وهي تُقرِّر أين تقع مصلحتها، وليس هناك حلول ذكية لهذا الأمر، بل إنها معضلة ليس من السهل مواجهتها.

الاندفاع الأمريكي في تحدي الصين ماضٍ في طريقه، والمقاومة الأوكرانية لروسيا متواصلة، والبلدان الثلاثة (أمريكا، روسيا، والصين) تملك قنابل نووية لا يبدو أن أحد راغب في استخدامها حتى الآن. وخلال ذلك تقف دول العالم، بما فيها أوروبا، موقف المتفرج دون تفاعل حقيقي، وإنما استجابةً للضغوط الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، وانتظار ما سينتج عنه كل هذا الحراك الخطير.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store