Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

تطهير البيئة المدرسية من المتنمرين

A A
انطلق بداية هذا الأسبوع العام الدراسي الجديد، وسط آمال عريضة وطموحات لا تحدها حدود، وأمنيات كثيرة للطلاب بأن يُصيبوا النجاح المنشود؛ الذي يُنمِّي معارفهم، ويزيد تجاربهم، ويجعلهم أكثر قدرة على تلبية التوقعات وتحقيق التطلعات، ليتحوَّلوا إلى مشاعل تغيير وأدوات بناء؛ تتولى راية العمل والإنجاز في هذه البلاد المباركة، التي أنعم الله عليها بأن جعل أكثر من ثلثي سكانها من فئة الشباب، الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 – 35 عاماً، حسب معطيات الإحصاء السكاني السابق، وهو ما يعني بوضوح أنها تمتلك ثروة بشرية لا تُقدَّر بثمن.

من أبرز ما يتميز به الموسم الدراسي الحالي؛ ارتفاع نسبة التفاؤل في نفوس الآباء وأولياء الأمور؛ نتيجة للتعديلات والتغييرات الكثيرة التي شملت معظم جوانب العملية التعليمية، مثل تعديل التقويم الدراسي، وتطوير وتحديث المناهج والسياسات التعليمية، وتحسين الخطط، وتضمين مواد جديدة، وتقديم تدريس مواد أخرى؛ بناءً على احتياج كل مرحلة وفصل دراسي، كل ذلك لأجل توفير منظومة تربوية متكاملة؛ يمكنها أن تُسهم في تعزيز القدرات والمهارات الطلابية، مما يُشكِّل نقلة نوعية تُمهِّد لازدهار البحث العلمي، وتنمية روح الابتكار، وتلبية احتياج سوق العمل، لنصل في النهاية إلى إيجاد أجيال جديدة فاعلة وقادرة على المنافسة بقوة في سوق العمل، داخل المملكة وخارجها.

هذه المحاولات التطويرية؛ توصلت إليها وزارة التعليم بعد دراسات وافية ومستفيضة لواقع العملية التربوية، واستصحاب الطرق والأساليب الحديثة في العالم، والاطلاع على آخر الأدوات المستخدمة في الدول المتقدمة، والاستفادة من تجاربها ونقلها إلى بلادنا؛ مع مراعاة الظروف التي تُميِّز مجتمعنا عن غيره، وذلك لأنَّ التفاعل مع تجارب الآخرين؛ واقتباس ما يتوافق مع قيمنا وظروفنا؛ ليس جانباً سلبياً، بل هو سعي وراء الإجادة والتطوير، وهذه الجهود تُحسب للوزارة التي يتفق الجميع على تميُّزها وتطوُّرها.

لكن هناك جانب آخر لا بد من الاهتمام به، وإعطائه ما يستحقه من اهتمام، حتى تتكامل عناصر النجاح والتميُّز، وهو العمل على توفير بيئة مدرسية نموذجية، يتفرغ فيها الطلاب للتحصيل العلمي، ويكونوا أكثر قدرة على الاستفادة من كل الجهود السابقة، ولن يتأتَّى ذلك ما لم يتم وضع حلول لمشكلة المشاجرات التي تحدث داخل أسوار المدارس وخارجها من بعض الطلاب؛ الذين لا يتورعون عن الاعتداء على أقرانهم، بل إن بعض المدرسين تعرضوا لاعتداءات من طلاب، وهذا مُثبت في محاضر أقسام الشرطة.

ولا يخفى علينا أن ظاهرة التنمر داخل المدارس؛ هي ظاهرة عالمية موجودة في معظم الدول، والسبب الرئيسي فيها يعود إلى الطبيعة العمرية للطلاب؛ الذين يكونون في مرحلة مراهقة وتكوين شخصية، لكن ينبغي التنبُّه إلى أنها من أكبر المهددات التي قد تؤدي إلى فشل الموسم الدراسي، وإجهاض كل الجهود التي بُذلت، لأنها تتسبب في تشتيت انتباه الطلاب؛ الذين يكون جُل تفكيرهم منصبًّا حول حماية أنفسهم من المتنمرين الذين يستقوون عليهم. وخلال العام الماضي، حدثت بعض حالات المشاجرات التي وصلت إلى وفاة بعض

الطلاب، مثل ما حدث في مدينة جدة، وهو ما أثار العديد من علامات الاستفهام حول الظروف التي تؤدي إلى وصول المشاجرات الطلابية إلى مراحل متقدمة تُهدِّد أرواحهم؛ دون أن يُبادر أحد من الأساتذة أو المسؤولين للتدخُّل، والفصل بين التلاميذ.

هنا تبرز أهمية اتخاذ إجراءات فعالة لوضع حد لهذه الظواهر الدخيلة على مجتمعنا المسالم، وأرى أن أولى خطوات الحل تكمن في التركيز على رفع ثقافة السِّلْم بين التلاميذ، وتعويدهم على احترام بعضهم البعض، وتنبيههم لخطورة التعدي على الآخرين، ولا بأس أن يتم تضمين هذه القيم في المناهج الدراسية، وتنظيم فعاليات تُحارب التنمُّر وتُبرز مخاطره، مع تنبيه الأسر للاهتمام بهذا الجانب، وتعويد أبنائهم على مراعاة حقوق الآخرين.

ومن الضروري كذلك أن يتم تطبيق الأنظمة التأديبية الفعّالة في المدارس، وعدم الاكتفاء بوقف العنف بين الطلاب بمُجرد حدوثه، مع إمكانية اللجوء لاتخاذ إجراءات حاسمة تمنع تكراره، وتحفظ في ذات الوقت حرمة المدارس وخصوصيتها كمحاضن للعلم. ويمكن كذلك رصد درجات خاصة بحسن السير والسلوك، تُضاف أو تُخصم من التحصيل الأكاديمي السنوي.

أبناؤنا هم فلذات أكبادنا ومحط اهتمامنا وآمالنا، ولا بد من توفير أجواء مواتية لهم كي يتمكنوا من بناء مستقبلهم الدراسي، في أجواءٍ صحية مواتية، دون خوف أو انصراف إلى قضايا جانبية، وكلي أمل وثقة أن قيادات الوزارة الذين حققوا كل الإنجازات السابقة؛ يضعون في اعتبارهم أنه لا جدوى لكل ما تحقَّق ما لم تكن البيئة التعليمية مُشجِّعة وجاذبة للطلاب.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store