Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. محمد سالم الغامدي

المذاهب الفقهية وتشرذم الأمة

A A
اللافت للانتباه ذلك التنامي المستمر في تفرق الأمة الإسلامية وتشرذمها حيث تحولت إلى مذاهب ثم تنامى عدد المذاهب ثم تحول كل مذهب إلى شعب ثم تحولت كل شعبة إلى فرق وفي خضم تلك التشرذمات التي تلتحف جميعها بألبسة الشرع، أصبح كل مذهب وفرقة وشعبة يرى أنه على حق وغيره على باطل وأنه في الجنة وغيره في النار، ثم تنامى ذلك التشرذم الشرعي إلى تناحر سياسي، كل يريد الغلبة على الغير ولكل منهم شيوخه المقدسين عندهم، والذين أصبحوا في نظر بعض أتباعهم آلهة لهم حق التشريع والاتباع وتناسى الجميع أن نزول الوحي على نبي الله ورسوله سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم- كان نزولاً محكماً ومفصلاً في كتابه الكريم كي يصبح ذلك هو التشريع الثابت والصالح لكل زمان ومكان كون رسالته -صلى الله عليه وسلم- هي خاتمة الرسالات وفيها جمعت وختمت كل التشريعات السابقة التي جاء بها الرسل الذين أرسلوا قبله، قال تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، وقال تعالى (كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير)، وقال تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، وهذه الآيات الكريمات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على اكتمال التشريع وإتمامه وتفصيله في كتاب الله تعالى حيث اكتمل تحديد وتوصيف العبادات والعقوبات والقيم والمعاملات والسلوكات الحياتية.

ومما سبق يتضح لنا بجلاء اكتمال هذا التشريع السماوي بكل تفاصيلة التامة والكاملة، كما تم تبليغها خير تبليغ من الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما جاءت دون تحريف أو تبديل حينما دونها كتاب الوحي وراجعها جبريل عليه السلام مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحفظها الله تعالى من التحريف، قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وقد استمر الالتزام بمضامين تلك التشريعات التي وردت في كتاب الله تعالى دون إضافة أو تعديل فلم يكن لصحابة رسول الله وكل من أسلم في عهده مرجعاً غير ذلك الكتاب العظيم التام المكتمل، واستمر ذلك الحال حتى أواخر القرن الثاني الهجري حينما بدأ ظهور المذاهب الأربعة وهم الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل ثم ظهر بعدهم كتاب الحديث كالبخاري ومسلم والترمذي وابن حبان والنسائي وغيرهم الذين استحدثوا ما يسمى بأصول الفقه ومصطلح الحديث والتي اتسمت تلك المرحلة بدخول الكثير من الأجناس البشرية إلى الإسلام، وهنا حدثت مخالفة لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك الأمر المتواتر نقلاً حين قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني شيئاً فليمحه)، لكن ما ترتب على ظهور تلك المذاهب وكتاب الحديث أدى إلى جمع مئات الآلاف من الروايات تحت مسمى الحديث كانت مليئة بالمكذوب والضعيف ثم نشأ علم الجرح والتعديل لتنقية الكثير من تلك الأحاديث المجموعة عندما طالها الكثير من الكذب والتطويع السياسي.

وهنا بدأت المذاهب الأربعة تتبلور بفكر تشريعي جديد كان اعتمادهم في أغلب استدلالاتهم على تلك الأحاديث مهما كان درجة صحتها ولعدم دقة الكثير منها لأنها نقلت من الأفواه وتعرضت للكثير من الكذب والتطويع وكان اعتمادهم في استدلالاتهم على تلك الأحاديث أكثر من الاستدلال بآيات القرآن الكريم، بل إن الأغلب منها كان من تلك الأحاديث ثم تتابع بعد ذلك بروز الكثير من المذاهب والشيع التي انحرفت باتجاهات سياسية أو لإثبات مكانة وقوة فقط ثم تنامى ذلك الحال حتى بدأ التحول الأخطر في مسار تلك المذاهب بعد القرن السادس الهجري حينما تحول ذلك الخلاف إلى صراعات سياسية بعد أن غلب عليها تلك الصبغة السياسية التي طوعت فتحول الأمر إلى تنافر وتناحر عصبي مذهبي أفضى إلى إهراق الكثير من الدماء وها نحن اليوم نجني ثمار تلك الخلافات المذهبية وها هي الخلافات تتنامى وتتحول إلى صراعات بين الدول بعدما كانت قبل ذلك صراع بين الأتباع وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) والله من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store