Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

فرامـــل

A A
أكتب هذه الكلمات على متن طائرة من طراز بوينج ٧٧٧، وهي أضخم طائرة بمحركين في العالم.. ومُحرِّكيها هما الأكبر والأقوى في تاريخ الطيران. ونحن نتحرك إلى وضعية الإقلاع، تأملتُ في جمال هندسة فرامل هذه الطائرة الرائعة.. كان وزننا، عندما بدأنا حركتنا على الأرض؛ يُعادل وزن حوالى مائة وخمسين سيارة «لاند كروزر»، ولكن حركة الطائرة لا تعكس تلك المعلومة المذهلة، فتبدو وكأنها خفيفة في مناوراتها الأرضية.. وكأنها عربة «سوبر ماركت» جديدة.. وعند الإقلاع، ستصل سرعتنا على الأرض بإرادة الله إلى حوالى ثلاثمائة كيلومتر في الساعة. وهنا تتجلَّى إحدى روائع هذه الطائرة، وهي نظام المكابح.. تخيَّل مقدار الطاقة التي يجب أن تتحوَّل في حال التوقف الاضطراري لهذه المركبة العملاقة.. لإيقاف ثلاثمائة ألف كيلوجرام من البشر، والألمونيوم، والوقود، والحقائب، والأحلام.. بل وهناك اختبارات تتطلَّب أن تتحمَّل الفرامل درجة حرارة مذهلة تفوق درجة حرارة «الدافور».. يعني نظرياً يمكن أكثر شوي من خمسين تيس على أسطح الفرامل مباشرة، بدون أن تتعرَّض الطائرة للخطر المباشر.. ولكن حتى على السرعات البطيئة؛ يُذهلنا نظام المكابح بتوزيع قوَّتها على درزن كفرات بطرقٍ مختلفة ذكية جداً، لتحقيق أعلى كفاءة في التحكُّم في الحركة، وعدم رفع حرارتها بقدر الإمكان.. وللعلم فلا توجد مكابح على العجلات الأمامية للطائرة.. وأما على السرعات العالية، فهناك منظومة متكاملة تشمل فرامل العجلات، والمكابح الهوائية، والطاقة العكسية على مُحرِّكي الطائرة، ونظام عدم الانزلاق، ونظام التوقف التلقائي.. وللعلم، تغيير طقم الفرامل في طائرتنا البوينج يُكلِّف حوالى أربعمائة ألف ريال.. والفرامل قصصها كثيرة ومذهلة في الجو، وعلى الأرض أيضاً.. واسمحوا لي أن أنتقل إلى عالم السيارات الذكية، فقد ذُهلت بالأمس عند تجربة سيارة كهربائية جديدة مزوَّدة بتقنية متطورة للغاية.. شعرتُ أنني أتعلَّم فنون القيادة من جديد، وبالذات فيما يتعلق بالفرامل.. الغريب في الموضوع أن دعَّاسة الفرامل لا تستخدم في القيادة.. قدتُ السيارة لمدة حوالى ساعة، ولمسافة حوالى تسعين كيلومترا على الطرق السريعة، وبداخل شوارع المدينة بدون لمس دعَّاسة الفرامل مرَّة واحدة. السر في الموضوع هو أن ماتور الكهرباء الذي يُولِّد قوة دفع السيارة للتسارع، يعمل أيضاً بشكلٍ عكسي لتباطؤ حركتها عند رفع الضغط عن دعَّاسة التسارع.. بل وإيقافها تماماً في حالات الطوارئ.. بمجرد رفع قدمك عن الدعَّاسة؛ يتم عكس الحركة لتقليل الحركة أو توقفها؛ بعد استشارة الحواسيب والمستشعرات المختلفة على السيارة.. قمة الإبداع الهندسي.

* أمنيــة:

مما لاشك فيه أن تقنيات الفرامل قد تطوَّرت بطرق تفوق الخيال، وأصبحت قدرات التوقف مذهلة بمعنى الكلمة.. ولكن فرامل البشر لا تزال «مفلوتة» بمعنى الكلمة.. التجاوزات في سلوكيات البشر مخجلة.. سواء كانت على المستويات الفردية، أو الجماعية حول العالم. أتمنَّى أن يُطوَّر العلم، والتعليم، والتربية، والقوانين الرادعة لفرملة التجاوزات الإنسانية التي نشهدها اليوم وكل يوم.. والله يهدي الجميع، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store