هل تعلمون أنّ ملكة بريطانيا الراحلة إلى ربِّها قبل أيام، إليزابيث (زينب) باللغة العربية، قد تسبّبت قبل سنوات كثيرة في رسوبي في مادة (الكيمياء ١٠١) خلال سنتي الثانية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن والتي تُعرف بسنة الـ(Freshman)، الأمر الذي اضطرّني لإعادة المادّة في سنة أخرى وتأخّري في التخرّج لأنّ معظم مواد الهندسة المدنية تتطلّب النجاح أوّلاً في الكيمياء.
والقصّة هي أنّ الملكة زارت الجامعة صباح يوم شتوي بارد آنذاك، ومنحت الجامعة طُلّابها إجازة ذلك اليوم، للترحيب والاصطفاف على ضفّتي طرق الجامعة التي بُنِيَت معظم مرافقها فوق جبل يقع في محافظة الظهران، ولذلك سُمّيت هذه المرافق بالجبل، وكان يُدرِّسني مادة الكيمياء أستاذ بريطاني لقبه (Lusty) إن لم تخنّي الذاكرة، ويُشبه بوريس جونسون لكن بلحية وشارب، وكان يظنّ أنّني متقاعس، فشرحت له أنّني لا أحب الكيمياء ومضطر لوضعها في منهجي لأنّها مُتطلّب لمواد الهندسة، غير أنّه لم يقتنع، وكنت أتوجّس منه خيفة وأقول لزملائي إنّه يجهّز لرسوبي رغم مواظبتي ومذاكرتي الكثيرة لها، وكان يقول لنا بأنّه لا يُرسِّب أي طالب مواظب على حضور حصصه مهما تواضعت درجاته، وأنا كنت من المواظبين فلم أقلق كثيراً.
ولم أكن أعرف أنّه يحبّ الملكة كثيراً، ولذلك تضايقت عندما كُنْتُ في واجهة أحد الصفوف للترحيب بها وكان هو في الخلف ومعه كاميرته، فأشار لي بلهجة آمِرَة بالتنحّي عن الواجهة ليُصوّر الملكة بوضوح، وبسذاجتي وقلّة خبرتي بأنّ الدنيا مصالح، لم استجب له فبدا الامتعاض عليه، وأحسست أنّ درجة الرسوب (F) جاهزة لي، وأكّد لي ذلك صاحبي الذي كان يقف بجواري إذ قال لي: لماذا يا غبي؟ لو فسحت له المكان لعلّه يمنحك درجة النجاح الأدنى (D)، وهكذا كانت مسألة وقت حتّى ظهرت النتائج النهائية وكانت درجتي (F) بامتياز، وليتني استشفعْتُ بالملكة عنده إذ وقفت تتحدّث معنا قليلاً، ولكنّ «ليْتاً لا تبني بيْتاً».
وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وختمت كلامها المُباح، بأنّ الملكة إليزابيث ماتت وخلفها ابنها تشارلز، وتلك الأيّام يُداولها الله بين الناس لينظر كيف يعملون، أمّا (Lusty) فإن كان حيّاً فلا بُدّ أنّه حزِنَ على الملكة التي كان يحبّها، وربّما حانت له الفرصة لأن يراها عن قُرْب ويصوّرها بوضوح بدون مضايقات من أيّ طالب.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
