Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د.ساري بن محمد الزهراني

النص والخاصية النوعية في المقامة البغدادية (2)

سديم

A A
يعدّ التفاعل النصي جزءًا جوهريًّا من خصائص النص النوعية، ونعني به تفاعل النص تفاعلاً مباشرًا أو غير مباشر، سواء كان داخليًّا فيما يُطلق عليه مصطلح التّناص، أو خارجيًّا من حيث ارتباطه بتفاعل النص مع القارئ(1).

ووفقًا لذلك المفهوم؛ ينبغي الإشارة، إلى أنّ المقامة البغدادية في جملتها تتكئ على اللغة النثرية المكثفة، كما أنّها محمّلة بالمعاني والدّلالات؛ إلاّ أنّها مع ذلك، تبقى مدعومة بشكلٍ لافتٍ بتنوع أساليبها؛ فضلاً عن تنوع معطيات خطابها؛ لتصل من ثمّة إلى وعي المتلقي والتأثير فيه، وبهذا تصبح المقامة نصًّا منفتحًا على فضاءات أوسع من التناص.

والملاحظ أنّ نص المقامة البغدادية يحفل بالمستويين من التفاعل النصي، سواء كان داخليًّا أو خارجيًّا، وهذا ما يمكن ملاحظته ابتداءً في مطلع المقامة: «حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ»، على اعتبار أنّ هذا الجانب الإسنادي يشي ضمنًا إلى تداخل المقامة وتماهيها سرديًّا مع مجموعة من العلوم والفنون؛ كالحديث النبوي الشريف، والخبر التأريخي، والحكاية الشعبية.

وهذا الاستدعاء الإسنادي يكاد يجعل من فن المقامة وفضائها النصي بنية متحرّكة ضمن محيط دائري، وذلك من خلال الجمع ما بين أدب الحكاية من جهة، وسمت الحديث من جهة ثانية، واقتفاء أثر التأريخ من جهة ثالثة. فعبارة «حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ» جمعت ما بين الاستدعاء والتفاعل، وذلك حينما بنى الهمذاني ذلك على غرار ما يقوم به رواة الحديث النبوي الشريف، وإن كان لا يتجاوز الشكل الثنائي تركيبًا وسندًا(2) مع أنّ الهمذاني نفسه قد عمد إلى استحضار شخصية عيسى بن هشام بإيراد الاسم مركبًا من جزء أول بانفتاحه على المسيحية «عيسى» من جهة، واستدعاء آخر يرتبط بالإسلام «ابن هشام» بوصفه أشهر رواة السيرة النبوية من جهة أخرى.

فإذا كان الهمذاني عمد إلى توظيف التَّفاعل الداخلي، والاستدعاء الباطني بالاحتذاء بالمنهج الخبري السائد في المورث الديني؛ فإنّه يسعى إلى ضمان السيطرة على المتلقي، وإحكام القبضة عليه، وتوجيهه نحو نتائج قد ضبطها سلفًا دون وعي من المتلقي، وهذا ما يمكن ملاحظته -أيضًا- حينما عمد إلى اقتباس قرآني لآية كاملة كما هي، وقد أسبقها بالقول المتصل بضمير المتكلم :»قُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»، وهي ذات الآية بعينها من سورة البقرة آية 156، ولأجل تحقيق غاياته عمد إلى توظيف تناص آخر؛ ولكنه وظّف بطريقة مختلفة من خلال استثمار بعض التعبيرات القرآنيّة الموحية كما يلاحظ في قوله: «لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ»، وهي ذات التَّعبيرات الواردة في سورة الكهف آية 63.

يتبع،،،

(1) ينظر: مراد مبروك، ورضوان عبدالله، ومنصور ضباب، نظرية الاتصال الأدبي بين التنظير والتطبيق، (جامعة الملك عبدالعزيز: مركز النشر العلمي، 1434هـ)، 181.

(2) ينظر: محمد نجيب العمامي، مقاربة النص السردي التخييلي من وجهة تداولية: «المقامة البغدادية» للهمذاني أنموذجًا http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:mdgdR3Bht4QJ:laamaminajib

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store