Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

مكيــــــاج

A A
عالم المكياج يعكس بعض من أغرب سلوكيات البشر.. فضلا تخيَّل أن حجم المصروفات على مستحضرات التجميل حول العالم يفوق إجمالي مصروفات الدفاع للولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والهند مجتمعة.. يعني الحمرة، والكحل، وكريمات الوجه، و»الماسكارا» وما شابهها تفوق مصروفات الطائرات، والصواريخ، والدبابات، والبنادق، والرصاص.. أكثر من تريليوني ريال سنويا.. وهذه تقديرات متحفظة لا تصف التكاليف الحقيقية للتجميل.

وهناك جوانب تاريخية غريبة تستحق وقفات تأمل: عبر آلاف السنين، تم استخدام بعض من أغرب المواد للمكيجة.. سأبدأ بالعيون وتاريخ الكحل بما أنه من الأساسيات.. كانت إحدى أهم مكوناته؛ عنصر الرصاص، وهو من أخطر السموم الذى يمكن أن يُسبِّب تساقط الشعر، وشلل العضلات، وتدهور الحالة النفسية، واضمحلال القدرات الفكرية، ويمكن أن يُسبِّب الوفاة.. ولو بحثت في تاريخ سقوط بعض الحضارات القديمة، ستجد أن استخدام الرصاص بشكل عام كان يتميز بسهولة تشكيله ووفرته.. ولكنه كان أيضاً من أهم أسباب التسمم، وتدهور الصحة العامة على المستوى الفردي والجماعي.. وما دمنا في سيرة جمال العيون، فلابد من ذكر إحدى أغرب المستحضرات، وهي نبات «الباذنجان القاتل» Deadly Night Shade (Belladonna) ، وكانت تستخدم لتوسعة بؤبؤ العين كإحدى علامات الجمال، ولكن جاء هذا على حساب صحة المستخدِمَات، لأنها كانت من مسببات عدم انتظام ضربات القلب، وانعدام القدرة علـى الرؤية، والتسمم، والوفاة في بعض الأحيان.

ولن تكتمل منظومة ذكر المكياج بدون الحديث عن العناية بالبشرة، وتفتيح لونها، ومن هنا انتشر استخدام عنصر الزرنيخ في خلطات مختلفة، وللعلم فالزرنيخ ينتمي إلى فئة «السم الهاري»، فهو من أخطر السموم على الإطلاق.. ولكن الأغرب من ذلك؛ هو مزيج ذلك السم ببول الأطفال -أعزكم الله- للاستعمال في تنشيط نضارة البشرة.. وكان يتم استخدام الخلطة بعد التأكد من نظافة الوجه طبعا.. يعني النظافة قبل رش البول والسم على الوجه.. وهناك المزيد، فالزئبق من السموم التي استخدمت كإحدى ركائز المستحضرات المهمة في عالم المكياج.. كان هذا العنصر الفتاك سهل الاستعمال لإخفاء التجاعيد والنمش، والألوان الغامقة، وإظهار البشرة بنضارة رائعة.. وكان متوفراً بكثرة، ولكن مشاكله كانت كثيرة وكبيرة: دمار للكلى والكبد، تعب وكسل، وإحباط، وسواد الأسنان واللسان، وخطورة على الحَمْل، وتقلبات المزاج، والوفاة.. ومن عجائب المكياج أيضاً، استخدام روث الثور -أعزكم الله- لعلاج الدمامل، وخصوصاً على الوجه، وكان يستخدم أيضا في علاج الصلع وتساقط الشعر.. تخيل الحالة الاجتماعية لمن لجأ إلى ذلك بسبب تساقط شعورهم.. وجدير بالذكر أن المعادن الثقيلة كانت من مكونات التجميل عبر التاريخ للعديد من الحالات، ولكن العديد منها تسببت في مشاكل صحية، ومنها مادة الراديوم المشعة التي كانت تُخلط بالماء، وتُسوَّق كإحدى مكونات النشاط.. ولك أن تتخيل تأثيرات الإشعاعات المتكررة على الصحة.. ولإضافة الإهانة إلى الأذى، فبعض من تلك المواد كانت باهظة السعر.. وهنا كانت التفرقة بين الأغنياء والفقراء ملحوظة بعكس النمط المعتاد.

وأما في عالم الحمرة، فنجد أن إحدى أهم مكونات تصنيعها كانت عبارة عن عصارة حشرات اسمها «كوكانيل».. وتحديدا، كانت تجمع كميات هائلة منها لتغذيتها على نبات الصبار، مما يجعل لونها أحمر فاقع ليتم عصرها.. وهي من أفضل مكونات الحمرة «الروج» عبر التاريخ.. عصير الحشرات على شفاة النساء.

* أمنيــــة:

مكونات مستحضرات التجميل غريبة على مستوى الأفراد، ولكن الأغرب من ذلك هي مكونات المكياج التي تطبق على مستوى الدول، وبعض من المؤسسات الدولية الوجيهة.. ففي بعض الأحيان نجد أن سلوكيات بعضها تختبئ خلف أقنعة وشعارات مكياج زائفة، ومخجلة، تظهر روائحها وحقيقتها مع مرور الزمن.. أتمنى أن لا ننخدع بالمكياج مهما كانت حيلته، والله يكشف الحيل مهما كانت بارعة، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store