Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

شعبية «الملكية» في بريطانيا

A A
ردود الفعل العاطفية في مختلف أنحاء العالم تجاه موت الملكة البريطانية إليزابيث الثانية، وتقاطر المواطنين البريطانيين والمقيمين في بريطانيا وزوارها بعشرات الآلاف إلى حيث وضعت الملكة إليزابيث في وستمنستر لتقديم واجب العزاء، والتعبير عن فجيعتهم في فقدان هذه الملكة التي اعتلت عرش بريطانيا منذ سبعين عاماً، التعبير عن حبهم للملكة عكس أهمية الملكية في بريطانيا لترسيخ وحدة المملكة البريطانية (إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية واسكوتلندا) والكومنولث والالتفاف حول تاج بلادهم، وترجم هذا الحب والتأييد في الهتافات التي قابل بها جمهور المعزين، الذين كانوا يقفون في صفوف طويلة لأكثر من ستة عشر ساعة للوصول إلى وستمنستر، عندما جاء الملك تشارلز وولي عهده وزوجتهما لمصافحة المعزين، نساء ورجالاً، شيوخاً وشباباً وأطفالاً في تلك الطوابير، وشوهدت على التلفزيون امرأة من هذه الصفوف تُقبِّل يد الملك، وأخرى تصر على معانقة ولي العهد، وغيرها من المناظر العفوية العديدة، صحيح أن المراسم الرائعة لجنازة الملكة وخطابات الملك أمام البرلمانات في انجلترا وإيرلندا الشمالية واسكوتلندا وويلز كانت جزءاً من برنامج (تسويقي) رائع، إلا أن العفوية، غير المتوقعة، طغت على الكثير من الإجراءات والمشاهد.

ونقلت التلفزيونات العالمية العديد من المناظر، بما فيها قنوات أمريكية مثل الـ CNN وغيرها، وشارك أمريكيون في طوابير العزاء الطويلة وصرحوا بإعجابهم بالملكية البريطانية وما شاهدوه من مناظر شعبية.

ورغماً عن ما شاهدناه على شاشات التلفزيون وفي شوارع بريطانيا من تأييد شعبي كبير، إلا أن الصحف الصفراء والليبراليون (الصحويون)، خاصة في أمريكا، أعدوا العدة للهجوم على النظام الملكي البريطاني، لأنه أكثر الأنظمة الملكية الأوروبية بروزاً إعلامياً، وسيسعون للبحث عن مبررات للدعوة لإلغائه، في حين أن البريطانيين لا يشكون كثيراً من هذا النظام، إلا أن المراسم التقليدية الملكية تثير هؤلاء الناس الذين لا يحبون التراث والتاريخ سوى ما يريدون هم أن يصنعوا. ومن ذلك مسلسلين أخيرين خياليين عن أنظمة الحكم القديمة في أوروبا هما: (لعبة العروش - Game of Thrones)، الذى انتهى والجديد الذي يُبَث حالياً (بيت التنين Home of the Dragon)، وكشف هؤلاء في المسلسلين عن عنصريتهما حين أدخلا عائلات ملكية وحكامًا أوروبيين سود (كما فعلوا من سابق مع قصص كتبها شكسبير وحوّلوها إلى أفلام)، مع أن إفريقيا مليئة بالبطولات وقصص الممالك والامبراطوريات التي لا تُقلِّل من قيمة أي إنسان ملون كما يدعون في حملتهم العنصرية، وتمت تهيئة المسرح الأمريكي والعالمي لكي تقوم ميجان ماركل وزوجها الأمير هاري بمواصلة حملتهما على العائلة المالكة البريطانية، حيث وقعا عقوداً مع نتفليكس ومؤسسات أخرى بملايين الدولارات، ويُرسلون هاري إلى الأمم المتحدة ومؤسسات أخرى ليلقى خطابات، وبدأت ميجان ببرامج إذاعية تقابل فيها شخصيات بارزة، ونظمت لهما لقاءات مع الصحافة للحديث عن كيف أساءت عائلة هاري إليهما، بالإضافة إلى مذكرات وكتب تجري برمجتها بعناية، كما أشارت كاتبة مؤخراً في مقال نشرته بالنيويورك تايمز.

الملك تشارلز من خيرة الرجال، وله آراء قوية في عدة مواضيع، وأبرزت الصحف من سابق تعليقاته كأمير حول المناخ والمعمار، وكذلك الأمر مع بعض القضايا السياسية التي لم يكن له من ناحية التقاليد الحق في إبداء رأيه حولها (مثل حرب العراق التي انتقدها بشدة أيام توني بلير، رئيس الوزراء السابق)، ومن المؤكد أنه سوف يبدأ بالتكتم على آرائه وعدم إعلانها كملك للبلاد، علماً بأن بريطانيا ليست الدولة الوحيدة في أوروبا التي تتمتع بملكية دستورية وبتقاليد خاصة بها، مثل إسبانيا والسويد والنرويج وهولندا وبلجيكا وغيرها، وقد تستمر الدعوات إلى تحول بريطانيا إلى النظام الجمهوري إلا أنها لن تجد تجاوباً من البريطانيين، فالنظام الملكي رمز مطلوب لوحدة الوطن، والملك أو الملكة توفر غالباً استقراراً لبلدها أفضل مما يوفره السياسيون الذين يتنافسون على اقتسام السلطة لمصالح شخصية في كثير من الأحيان. وهو ما أكدته تجربة كثير من البلدان، بما فيها دول من الشرق الأوسط؛ كانت قد تخلت عن أنظمتها الحاكمة التقليدية.

كما أكدت ملكة بريطانيا أنها أكثر حكمة من السياسيين في بلدها، ووصفتها صحافة بلدها بأنها مثلت طيلة سبعين عاماً الصخرة التي استقرت عليها الأمة.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store