Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. علي آل شرمة

ثوابت المجتمع وتقاليده.. خط أحمر

A A
منذ توحيد هذه البلاد المباركة على يد الملك المؤسس المغفور له - بإذن الله - عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فقد أظهرت حرصاً واضحاً على ثوابتها المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، فتمسَّكت بكتابِ الله وسنة نبيه - عليه أفضل الصلاة والسلام - دستوراً ونظاماً للحكم.

كما حرصت على استصحاب عاداتها وتقاليدها الراسخة المستمدة من مكانتها الإسلامية الفريدة، وعمقها العربي الأصيل.

ولتعزيز هذه القيم، فقد حرصت المملكة منذ وقتٍ بعيد على تبصير أجيالها الناشئة بضرورة الحفاظ على الأخلاق العامة، والابتعاد عن كافة التصرفات التي تخدش الذوق العام، وحفلت المناهج الدراسية بالعديد من الرسائل التوعوية التي تحث على التحلي بمكارم الأخلاق وصيانتها. هذه الجهود لم تتخذ فقط جانب الإجراءات النظامية أو الأمنية، بل حرصت الجهات المعنية على تنوير الشباب بمكانة بلادهم المتفردة؛ التي اختصها بها الله سبحانه وتعالى عندما جعلها أرضاً لرسالة الإسلام، ومهبطاً للوحي، وحاضنة للحرمين الشريفين.

ومع التغيرات التي يشهدها العالم من حولنا خلال السنين الماضية؛ بفعل ثورة الفضائيات، وانتشار وسائط التواصل الاجتماعي، التي جعلت العالم قرية صغيرة كما يقولون، ولتهيئة المجتمع لمرحلة الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي التي نادت بها رؤية المملكة 2030، فقد أصدرت المملكة خلال الفترة الماضية لائحة الذوق العام؛ التي وضعت الحدود الفاصلة ما بين الحرية الشخصية والفوضى، وأقرت عقوبات فورية على كل من تُسوِّل له نفسه التعدي على الشعور العام، أو مضايقة أفراد المجتمع بأي تصرفات خارجة عن المألوف.

ولأن هناك من اعتاد التغريد خارج السرب، فقد ظللنا نشاهد بين الفينة والأخرى تصرُّفات شاذة لا تمتّ لمجتمعنا بأي صلة، وتخرج عن إطار التربية العامة التي نشأ عليها معظم أبناء هذه البلاد وتوارثوها جيلاً عن جيل. فظهرت تصرُّفات خاطئة وأفعال دخيلة على مجتمعنا.

مع تزايد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؛ التي باتت ترصد كافة الأحداث والوقائع، فقد صُدِمنا خلال الأيام الماضية بالكثير من التصرفات الشائنة، مثل تعدي بعضهم على الفتيات بالضرب. وللأسف، فإنه حتى المناسبات الغالية على قلوبنا مثل اليوم الوطني، لم تخلُ من بعض التصرفات السالبة، لقِلَّة أرادت لفت الانتباه بطريقة خاطئة، وهو ما تعاملت معه الأجهزة المختصة في وزارة الداخلية والنيابة العامة بمنتهى الحسم، حيث تم إيقافهم وتقديمهم للتحقيق.

لا ينبغي التهويل من حجم هؤلاء المنفلتين أو تضخيمهم، فهم قِلَّة لم يستوعبوا الرسالة، ولم يُدركوا حقيقة التوجُّه الذي اختارته المملكة، فتوهَّموا أنه قد حان الوقت أمامهم للتعبير عن قناعات وتصرفات يرفضها غالبية الشعب السعودي.

وحتى لا نقع في فخ التعميم الخاطئ، فإن بعض هؤلاء ربما تكون قد اختلطت في أذهانهم مفاهيم الحرية الشخصية، ولم يُدركوا أنها تنتهي عندما تبدأ حريات الآخرين، فهُم في الآخر من فئة الشباب الذين لم يُحسنوا استيعاب أجواء الانفتاح؛ التي يعيشها العالم قاطبة، بسبب ثورة التقنية، فتأثَّروا بها سلباً، ووقعوا في المحظور دون تعمُّد أو قصد، وهؤلاء لا ينبغي الحكم بفسادهم أو انحرافهم، أو التشدُّد في معاقبتهم، بل إن الواجب مناصحتهم وإرشادهم، لأنهم في الآخر شباب يدفعهم الحماس.

أما الذين يُصرِّون على السير عكس الاتجاه، ويتمسَّكون بالاستمرار في غيّهم، فإن القوانين قادرة على ردعهم، وعناصر وزارة الداخلية الأشاوس ورجال النيابة العامة لهم بالمرصاد. وستبقى بلاد الحرمين منارةً للأخلاق الفاضلة، والقِيَم الصالحة، لأن غالبية أبناءها نشأوا على مكارم الأخلاق وحميد الصفات، ولا يقبلون من أحد تجاوز ثوابت دينهم ومجتمعهم، أو محاولة القفز عليها، مهما كانت الأسباب والدوافع.

رسالة المملكة واضحة، ولا تحتاج إلى عناء لتفسيرها وتأويلها، وهي أنها اختارت زيادة تفاعلها مع العالم الخارجي، وأنها ماضية بعزمٍ وإصرار في طريقها لتحديث مجتمعها، وتطوير واقع أبنائه، وستأخذ ما يتوافق مع مبادئ شعبها وقيمه وأخلاقه، ولكنها في ذات الوقت حريصة على نسيجها الاجتماعي المتين، ومتمسكة بتراثها وخصوصيتها ومكانتها كدولة قائدة عربياً وإسلامياً، ولا تريد الانفكاك من تقاليدها العريقة والمبادئ الراسخة التي قامت عليها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store