Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

من قصصي مع السائقين!!

A A
شَغّلْتُ طيلة حياتي عدداً من السائقين، خصوصاً من البنجلاديشيين، وكنتٌ أظنّهم مرحلة عابرة ستنتهي حال تقاعدي ووصول بناتي وولدي لمرحلة اقتناء وقيادة سيّاراتهم لقضاء مشاويرهم، لكن رغم تحقيق هذه الحال إلّا أنّني أدركْتُ مؤخّراً أنّني لا أستغني عنهم البتّة -حُلْوَة هذه (البتّة) أليس كذلك؟-.

وهولاء السائقون مختلفون في كلّ شيء، وتتفاوت إيجابياتهم وسلبياتهم، ومنهم من مكث معي لسنوات، ومنهم من لم أتحمّله لأسابيع، وكنت أتعامل معهم بالتسديد والمقاربة والأخوية، وأتذكّر دائماً أنّهم غرباء اضطرّوا لترْك بلادهم والعمل لدينا بسبب الحاجة، ولا قدّر الله أنّ السعوديين سيضطرّون يوماً للعمل كسائقين في أرجاء المعمورة.

وأذكر أنّ سائقاً منهم واسمه (محمّد بشير الدين) كان نشيطاً للغاية، ولم يكن سائقاً فحسْب، بل كان وبِحُكْم درايته بأعمال السباكة والكهرباء والميكانيكا في بلده قبل وفوده لي يُصْلِح سيّارتي وكلّ ما عطُبَ في منزلي، وخلّصني من همّ الصيانة الخارجية وتكاليفها، وليته معي الآن بعد ارتفاع أسعار هذه الأعمال حالياً، لكنّه عاد لبنجلاديش واستثمر مدّخراته لإنشاء مفرخة دجاج متواضعة، وصار عضواً في المجلس البلدي لقريته الصغيرة، وما أدراكم لعلّه يصير رئيس الدولة هناك، وعندها سأشير إليه في التلفزيون: هذا هو سائقي ولا فخر.

وهناك سائق آخر، صحيح أنّه مُخلِص لكن كان مريضاً بالسكّر والضغط والكوليسترول والربو، وكان يتحامل على نفسه، ولم أقصّر في معالجته بمراجعة المستشفيات الخاصّة معه وشراء الأدوية له، حتّى قرّر وزير الصحّة السابق الدكتور توفيق الربيعة معالجة العمالة المنزلية في مستوصفات الوزارة، فأزاح عنّي عبئاً كبيراً، وهذا السائق أُصِيب بكورونا وعزل نفسه لأسبوعين في غرفته بفناء المنزل، فأصبحت أنا سائقه، أشتري احتياجاته وأضعها عند باب غرفته ثمّ أفِرُّ للمنزل خوف انتقال العدوى، وقد سافر لبلده ثمّ عاد للعمل لدى مواطنٍ آخر،. وهلّا أذِنتُم لي الآن، إذ عليّ تكليف سائقي الحالي بشراء مقاضي المنزل مشكوراً ومحموداً له سعيه، ألم أقل لكم؟ لا غِنى للسعوديين البتّة عن السائقين.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store