Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

هل فقد الغرب عقله ؟!

A A
الحرب العالمية الثانية كان مسرحها أوروبا، وكذلك آسيا. هزمت القوة الأمريكية في حينها ألمانيا، وأبادت صناعتها العسكرية، وأحرقت اليابان - بشراً ومباني وصناعات - بقنبلتيها النووية وأسلحتها المدمرة الأخرى. اليوم تجري الحرب في أوروبا على أرض أوكرانيا، والطرف الرئيسي فيها هو روسيا، بينما يترقب العالم دوراً عسكرياً قادماً ضد الصين في آسيا. والمتصدر لكل هذا هو أمريكا وخلفه أوروبا. وقد أرسل لي صديق تسجيل مصور لجزء من جلسة حوار جرى في مؤتمر دافوس عام 2019، يتحدث فيها مفكر سنغافوري عن كتاب ألفه تحت عنوان: «هل فقد الغرب عقله؟» (Has The West Lost It)، فقال إنه يرى العالم يدخل مرحلة تاريخية جديدة، حيث نجد الأول في الاقتصاد العالمي هو الصين، والثاني الولايات المتحدة الأمريكية، والثالث الهند، والرابع اليابان، «ولا بلد أوروبي واحد في قائمة أعلى أربعة اقتصادات في العالم». المفكر السنغافوري واسمه كيشور محبوباني KISHORE MAHBUBANI له عدة كتب في السياسة، ويتسم بمنطق جيد، وعمل عشر سنوات سفيراً في الأمم المتحدة، ممثلاً لبلاده، وأشار إلى أنه يرى التهديدات والمخاطر التي يواجهها الأوروبيون تختلف عن المخاطر التي تواجه الولايات المتحدة، حيث إن جغرافية أوروبا مختلفة تماماً عن جغرافيا الولايات المتحدة وشمال أمريكا. «والمخاطر التي ستواجه أوروبا في القرن الواحد والعشرين تختلف عن المخاطر التي ستواجه الولايات المتحدة»، وشدد على أن المواطنين الأوروبيين «ليسوا خائفين من الدبابات الروسية، بل من الهجرة الإفريقية وما تسببه لهم»، فعدد سكان أوروبا عام 1950 كان ضعف عدد سكان إفريقيا. اليوم سكان إفريقيا ضعف سكان أوروبا، وعام 2100 سيكون عشرة أضعاف». وكان للمتحدث السنغافوري وجهة نظر في كيفية حل المعضلة (من الحضور على المنصة؛ كان جون كيري، المسؤول الآن عن المناخ في حكومة جو بايدن بواشنطن)، وقال: «عليكم تطوير إفريقيا اقتصادياُ، هذا هو الحل الوحيد. ومن هو المستثمر رقم واحد في إفريقيا الآن؟، ومن هو شريك أوروبا فيها؟ إنه الصين... ونجد هنا تكاملاً ما بين الصين وأوروبا - طوروا إفريقيا اقتصادياً، توقفوا قوارب المهاجرين.. أوروبا خائفة مما قد تسببه الهجرة لها».

هذا الكلام فيه الكثير من المنطق، إلا أن ما يجري في أوروبا الآن لا يدخل ضمن هذا المنطق، وفي نفس الوقت، فإن العديد من أفضل العقول موجودة في أوروبا وأمريكا. فلماذا إصرار الغرب (أمريكا) على قيام (نظام دولي قائم على القواعد)، بينما لا يقبل أغلب الناس المستهدفين هذه «القواعد» كما هي عليه. أوروبا تتعرض للتنمر من أمريكا من ناحية، ومن روسيا من ناحية أخرى، الأولى ترغب في الهيمنة عليها وإدارة شؤونها، والثانية تسعى لتحويلها إلى مقاطعات ومستعمرات روسية. فما هو دور أوروبا هنا؟، إذ نسمع السياسيين يرددون ما تقوله واشنطن، ويسعون إلى إرضائها، فهل هذا هو الطريق السليم للمأزق الذي يعيشه العالم اليوم؟، وهل سيأتي من يسأل دول العالم - حكَّاماً وشعوباً - عن رأيهم فيما يجري، والمخاطر التي يتعرض لها العالم باستفزاز موسكو في أوروبا، والصين في آسيا؟، وهل يمكن التوقف عن فرض المثلية وما شابهها من أفكار على المجتمعات؛ قبل الادعاء بأنها جزء من حقوق الإنسان، إلى أن يقبل بها المجتمع الدولي أو يرفضها، لا أن تكون نخب أمريكية وأوروبية تسعى لفرضها؟.

تتصاعد الآن المنافسة بين أمريكا والصين اقتصادياً، هذه المنافسة لها تداعيات أمنية. فهل ستسعى أوروبا إلى أن يكون لها دور في هذا، لأن لها مصالح حيوية فيما يجري، أم أنها ستترك الأمر بيد نخب يفتقرون إلى الحكمة، كما نرى، فيما يعملون. وتنطلق عجلة الحرب والدمار في أكثر من مكان؟!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store