Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

أحـــــــــــلام

A A
قبل حوالى شهر من اليوم، وبعد مقاومة امتدت لفترة حوالى ألف يوم، قلصتُ فيها أنشطتي الاجتماعية إلى أقل مستوى في حياتي.. وبعدما استخدمتُ مئات اللترات من المنظفات والمناديل المعطرة المختلفة.. وبعد ارتداء مئات الأقنعة بأشكال وألوان مختلفة، فوجئت بالهزيمة.. اقتحموا جهازي التنفسي بخباثة وحيلة، فاستوطنوا وانتشروا، وترعرعوا.. واستفحلت قبائل «الكورونا» الخلايا المختلفة بداخلي، والحمد لله على كل حال.. عانيتُ منها لفترة حوالى أسبوع، وبلطف الله ورعايته شُفيت من جميع الأعراض، ولكن بقيت عندي ظاهرة غريبة وهي الأحلام.. منذ أول يوم في تجربتي مع الكورونا راودتني بعض من أغرب الأحلام والكوابيس، واستمرت معي إلى اليوم.. كلما غفت عيناي - حتى وإن كانت «غفيوة» قصيرة، أو «تعسيلة» سريعة - أحلم بوقائع أو مواقف، أو أشخاص أو طائرات، وصواريخ ومباني، ومدن ومعادلات رياضية، و»كباب ميرو»، و»منتو»، و»مقلية».. وأصبحت الأحلام من المكونات الأساسية لحياتي في فترة ما بعد الإصابة بالوباء.. وأتذكر أن إحدى التحايا الإفريقية التقليدية الجميلة هي «كيف أحلامك»، وهي مرادفة لتحية «إيش لونك» عندنا.. وأكيد أن الأحلام تُعبِّر عن جودة حياة الفرد إلى حدٍّ كبير.. وأتذكَّر أيضا أن العديد من أهم الاكتشافات في عالم العلوم بدأت في عالم الأحلام.. فكان العالم الروسي «ديمتري مندلييف» منغمساً في معضلة ترتيب جميع العناصر الكيميائية في عالم اليقظة، ولم يفلح، ولكنه وجد سر الترتيب في عالم الأحلام، فقدَّم للبشرية الجدول الدوري في فبراير 1869م.. بصراحة عاتبتُ نفسي أن الرجل كان يحلم بترتيب عناصر الكيمياء، وأنا بأحلم بكباب الميرو.. وهناك المزيد، فسجل التاريخ أن العالم السويسري الجبار «ألبرت إينشتاين» رأى بعض مكونات النظرية النسبية في المنام، وكانت نقطة تحول في عالم الفيزياء، وأن العالم الألماني «كوكليه» رأى تركيبة حلقة البنزين في المنام، وكانت من أهم الاكتشافات في عالم الكيمياء العضوية.. ورأى «الياس هاو» فكرة ماكينة الخياطة في أحد أحلامه.. ورأى الناشط السياسي الأمريكي «مارتن لوثر كنج» منظومة حقوق الإنسان الجديدة في عقد الستينيات الميلادية من القرن الماضي في المنام.. وهناك أيضاً قصص كثيرة في عالم الرياضيات، والتقنية، والأدب، والموسيقى، وحتى في عالم الجريمة المدنية والسياسية؛ لأحلام غيرت عالمنا.

ومن ضمن روائع عالم الأحلام، نجد الأبحاث العلمية الذكية المنصبَّة على هذا النشاط المهم.. فضلاً لاحظ أن ثلث حياتنا تقريباً نقضيها في النوم.. يعني بالنسبة لي شخصياً أكثر من عشرين سنة راحت في النوم بشكلٍ أو بآخر.. وبالرغم من وجود الأساليب المختلفة لتفسير الأحلام، وبعضها من عالم البكش، أصبح القياس العلمي اليوم من أهم مكونات علوم النوم ومكوناته المختلفة.. والمقصود هنا هو الرصد الرقمي الدقيق للتغيُّرات في أدمغة البشر، باستخدام أجهزة الرنين المغناطيسي المتطورة.. ويتم من خلالها معرفة أين تكمن الأنشطة للأحلام المختلفة بداخل الدماغ، والمنظومة العصبية بأكملها.

* أمنيـــــة:

أكيد أن هناك أحلام توسعية سياسية لا نعلم عنها، وأكيد أن أسرار عالم الأحلام بأبعاده المختلفة مليئة بما هو أغرب من الخيال، ولكن من العجائب أنه لا توجد تفسيرات علمية متفق عليها لظاهرة الأحلام بعد الإصابة بداء الكورونا، بالرغم من انتشاره الواسع جدا، وضحاياه الذين وصلت أعدادهم لمئات الملايين حول العالم.. أتمنى أن يجد العلماء التعليل لذلك بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store