Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر

سيكولوجيا تلقي الشعر عند الفلاسفة المسلمين

سيكولوجيا تلقي الشعر عند الفلاسفة المسلمين

سديم

A A
يقدّم الفارابي، وابن سينا تصوّرات حول مفهوم الشعر وتأثيره، ومدى فاعليّته في المتلقي؛ بناءً على موقفهما من وظيفية الشعر، وذلك بوضع حدٍّ للشعر المشروط بوظيفته.. فالشعرية عندهم تتحدَّد بكون الكلام (مخيّلاً)، والمحاكاة طريقًا إلى (التخييل).

فالفارابي يذهب إلى أنّ الغرض المقصود بـ(الأقاويل الشعرية) أن تنهض بالسامع نحو فعل الشيء الذي خُيِّل فيه أمرٌ ما من طلب له أو هرب عنه، في حين نجد ابن سينا يرى «أن الشعر كلام مخيّل، والمخيّل من الكلام، هو الكلام الذي تذعن له النفس؛ فتنبسط عن أمور، وتنقبض عن أمور من غير رويّة وفكر واختيار، وبالجملة تنفعل له انفعالًا نفسيًّا غير فكريٍّ».

إنّ هذه الأقوال -وما يماثلها- تعني أنّ وصف الكلام بالمخيّل يحمل في تكوينه الجوهري صورًا يمكن أن تتجلّى للمتلقّي آن مواجهته استنادًا إلى الفاعلية المخيّلة المشتركة ما بين مُنتِج النص ومتلقيه.

وبالتالي، فإنّ المتلقي في هذه الحال يخضع لفاعليّة التخييل الشعري، التي تنهض على أساس كونها «عملية إيهام موجّه تهدف إلى إثارة المتلقي»، استنادًا إلى مقولة «إنّ الإنسان يتبع تخيّلاته أكثر ممّا يتبع علمه وظنه».

واللافت هنا هو ربط الشعر بالسحر ابتداءً، ثم ربط الشعر بمصطلح التخييل السيكولوجي الذي تتجسّد من خلاله عملية التأثير الشعري في المتلقي على نحو سحري، أو في غياب العقل أو التفكير، وهذا يقود إلى الربط على نحو تلقائي بين كل من السحر والتخييل من جهة، والشعر من جهة أخرى؛ انطلاقًا من عملية التأثير التي يحدثها.. وقد قيل إنّه لئن كان كلّ سحر خيالًا، فإنّ كل عملية تخييل إنّما هي عملية سحرية.

وهذا ما نراه بكلّ جلاء عند ابن الخطيب، في معرض حديثه عن طبيعة السحر؛ باعتباره قوة تغيّر النفوس من حالٍ إلى حال، في مقابل قدرة الشعر الجيد على حمل النفوس على شيء وضدّه بما يحدثه من تأثير= سحر البيان، مستشهدًا بقول ابن الرومي:

في منطقِ القولِ تزيينٌ لباطلِهِوالحقُّ قدْ يعتريه سوءُ تعبيرِتقولُ هذا مجاجُ النَّحلِ تمدحُهوإذا ذُممتَ فقلْ قيءُ الزَّنابيرِمدحٌ وذمٌّ وعينُ الشيءِ واحدةٌ سحرُ البيانِ يُرِي الظلماءَ كالنُّورِوهذا الاستشهاد من قبل ابن الخطيب يشي إلى أنّه يسير على خطى الفارابي في فاعليّة التخييل الذي لا يستند إلى الرويّة والفكر؛ وإنّما بالاستجابة التلقائية لفاعليّة التخييل، كما أنّ هذا الاستشهاد يتكرّر عند غير واحد من النقاد؛ لإيضاح التأثير الفعّال للشعر المستند إلى التخييل، وهذا ما يُلاحظ -أيضًا- عند ابن سينا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store