Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
د. سهيلة زين العابدين حماد

إشكاليات فلسفة تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة

A A
إنّ النظام في الكون قائم على الزوجية، وقاعدة اللقاء في ظاهرة الزوجية الكونية هي التخالف، وليست التوافق، فاللقاء الخصب المنجب يجب أن يتم بين متخالفين ومتباينين، ومن ثّمَّ فإنّ العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على التخالف وهو الشرط الأساس لوجود ظاهرة (التكامل) والتعاون؛ حيث يظهر لكل واحد من الزوجين أنّ كمال البنية المشتركة بينهما، وهو الأسرة، لا يأتي من أيٍّ منهما على انفراد، وإنّما من خلال اللقاء الإيجابي بينهما، فعلاقة المرأة بالرجل علاقة تكاملية ندِّية لا يعلو أحدهما على الآخر، واختلاف مهامهما في الحياة قائم على اختلافهما في التكوين، ليتحقق في النهاية التكامل المنشود. لكن للأسف أساء بعض الرجال فَهْم الاختلاف في نظام الزوجية، وفسّره بضعف المرأة ودونيتها، وتعامل معها بهذه النظرة في مختلف الحضارات والشرائع السابقة للإسلام، وعندما جاء الإسلام لم يتحرر الرجل المسلم من موروثات مجتمعاته الثقافية والفكرية القديمة، وفسّر الآيات القرآنية المتعلقة بالمرأة وعلاقاتها الزوجية طبقًا لتلك الموروثات، ودعمها بأحاديث ضعيفة وموضوعة وشاذة، وزعم أنّ تلك التفسيرات وما استنبط منها من أحكام فقهية تُمثِّل شريعة الله، ومن خالفها خرج عن ملة الإسلام.

والآية الكريمة: (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لعلكم تتَذّكَّرُون) تُقرِّر أنَّ نظام الكون قائم على الزوجية، والمعرفة والتقدم العلمي الذي كان متوفرًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكِّن من الكشف عن نظام (الزوجية) في الوجود، بل إنّ ما كان في حوزة الناس آنذاك من استقراء واطلاع لم يكن كافيًا للكشف عن ظاهرة (الزوجية) في (الأحياء)، فضلًا عن ميادين الوجود المختلفة، والكشوفات الكونية المتسارعة التي تميط اللثام عن أشكال من التزاوج والاقتران والارتباط في ميادين الحياة كافة، وعلى مستويات مختلفة، ابتداءً بالذرة، وانتهاءً بالمجرة.

إنَّ ظاهرة الزوجية ليست دليلًا على وحدانية الخالق جل شأنه فحسب، وإنّما هي دليل على نقص المخلوقات وافتقارها لغيرها أيضًا، حيث لا تتحدد معاني الأشياء وقيمها الحقيقية من خلال ذواتها، وإنَّما من خلال كونها أجزاء في تركيبات أعم.

إنَّ حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة في الإسلام علاقة تكاملية ندية وليست علاقة تنافسية دونية بمعنى أنَّ كلًا منهما يكمل الآخر.. فالإسلام ينظر إلى الرجل والمرأة على أنَّهما شيء واحد، هو الإنسان، مُكلّفان معًا بتحمّل أمانة الاستخلاف، ومتساويان في الجزاء والعقاب، وفي الفرائض والعبادات، وأنَّ هذا الإنسان جزءان متكاملان، مختلفان في التكوين والقدرات، وإنَّ من حكمة الله تعالى أنَّه لم يجعل الاختلاف بينهما في التكوين الجسمي والنفسي اختلافا تضادا، بل جعله اختلافا تكاملا. فطبيعة الرجل الجسمانية والنفسية مكملة لطبيعة المرأة، وكل منهما لا يستغني عن أن يكمّل نفسه بالآخر، ولذلك أصبح الزواج ضرورة إنسانية لحفظ النوع.

وللأسف لا يزال بعض خطاباتنا الدينية وكذلك بعض الرجال في مجتمعاتنا العربية؛ ينظرون إلى المرأة نظرة استعلائية في التعامل معها، ويرفضون الندِّية في العلاقات الزوجية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تُعتبر توعية الزوجة بحقوقها على زوجها التي منحها إياها الإسلام، تخبيبًا على زوجها، وإفسادها عليه؟.

الجدل الذي أُثير مؤخرًا حول حق الأم في أجرة رضاعها لأولادها، وأنّ قيامها بأعمال المنزل وطهي الطعام تفضلًا منها، وليس إلزامًا، فالخدمة المنزلية - كما يقول فضيلة الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر- يرى جمهور الفقهاء أنّه يجب على الزوج تدبير تلك الخدمة؛ لأنّها ليست من معنى الزوجية وحقيقتها؛ خاصة إذا كانت الزوجة ممن كانت تُخدم في بيت أبيها، أو كانت مريضة لا تستطيع خدمة نفسها.. أمّا من حيث إرضاع المولود يرى الشافعية والحنابلة: استحقاق الأم المرضعة لمولودها أجرة المثل سواء كانت في عصمة الأب أم مطلقة؛ لعموم قوله تعالى: (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهنّ)، ويرى الحنفية والظاهرية عدم استحقاق الأم المرضعة لمولودها أجراً إن كانت في عصمة الأب، وهو ما عليه القانون المصري الذي يسير على المذهب الحنفي، وأما إن كانت الأم مطلقة فلها أن تطلب أجراً، لأنّ إلزامها بالرضاع مجانًا مع انقطاع نفقتها عن الأب مضارة لها، لقوله تعالى (لا تُضار والدة بولدها).. وقال المالكية: إن كانت الأم ممن يرضع مثلها، وكانت في عصمة الأب، فليس لها طلب الأجرة على الإرضاع. أمّا الشريفة التي لا يرضع مثلها، أو المطلقة فلها حق طلب أجرة على إرضاع مولودها (د. سعد الدين الهلالي).

ونجد المادة (61) في نظام الأحوال الشخصية السعودي، قد ألزمت الأب بأجرة إرضاع ولده الصغير في الحولين، إذا تعذر على الأم إرضاعه، أو لم تعُد زوجة للأب، ويعد ذلك من النفقة.

وهكذا نجد أنّ هناك من الرجال في مجتمعاتنا العربية لا يزالون يرفضون الندية في فلسفة تبادل الأدوار بين الرجل والمرأة، وهذه النظرة الاستعلائية دفعت بعض الشباب إلى قتل الفتيات اللاتي يرفضن الزواج منهم، متجاهلين أنّ مقياس الأفضلية عند الله هي التقوى في قوله تعالى: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم).

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store