Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

قصّتي مع الفلكة!!

A A
قد تعلمون أنّني قضيْتُ سنوات طفولتي في مدينة الطائف؛ المأنوس صيفاً بالسُيّاح من أهل مكّة المكرمّة والرياض وجدّة، وكانت طفولة سعيدة للغاية في كنفِ أبٍ كادحٍ في طلب رزقه، وحافظٍ للقرآن الكريم، وفي حُضْنِ أمٍّ عظيمةٍ وحنونةٍ، قد أعطت كلّ ما عندها من صحّةٍ وجاه ومال؛ لزوجها وأبنائها وبناتها، رحمهما الله وجمعني معهما في جنّات النعيم.

وقد درسْتُ المرحلة الابتدائية في مدرسة (ابن خلدون) القريبة من وادي (وِجّ)، حيث كانت تسيل الأمطار، وتُكوِّنُ نهراً صغيراً وجميلاً يستمرّ في جريانه لبضعة أيّام، قبل أن تُسفلته البلدية، وتُنشئ فيه تصريفاً تحتياً ومخفياً للأمطار، خسارة.

وفي هذه المدرسة تعلّمْتُ النظام، والهيبة من المُعلِّمين، وليس مثل هذه الأيّام حيث يحصل العكس، فيهاب المُعلِّمُ من الطالب، انقلاباً لموازين التعليم الصارم.

وفي هذه المدرسة، وفي الصفّ السادس، ذُقْتُ أوّل وآخر فلكة في حياتي، ولمن لا يعرف الفلكة، فهي قطعة من خشب موصولة بلفّة قماشية لربط رِجْلَي الطالب المُراد معاقبته على خطأٍ شنيعٍ قد اقترفه، ثمّ ضرْب قدميه بالباكورة المصنوعة من الخيزران، أمام زملائه الطُلّاب للعظة والاعتبار، وإيّاكَ أعني، واسمعي يا جارة.

وكان خطأي الشنيع، هو أنّني لم أُرِ أبي شهادة أحد الشهور كي يُوقّعها، كدليل على معرفته ومتابعته لمستوى ابنه الدراسي، وكان في الشهادة دائرة حمراء واحدة لمادّة الحساب، وتعني رسوبي فيها ذاك الشهر، فسألني المُعلِّم: أين توقيع أبيك؟، فأجبتُه أنّني نسيت أن أُرِيه الشهادة، فأمرني أن آتِي بتوقيعه في الغد فلم أفعل، وتكرّر ذلك ٣ مرّات، ليس خوفاً من والدي، إذ لم يكن شديداً، ولكن حياءً منه، وفي اليوم الرابع وخلال الفُسحة التي بعد الحصّة الثالثة أتاني مراقب المدرسة ومعه الباكورة، ثمّ جعلني أستلقي على ظهري، ووضع الفلكة في رجلّي وأخبر طُلّاب الصف بخطأي، وهات يا ضرْب، وكاتبكم يتألّم ويبكي كالأطفال، كالأطفال؟! نعم لقد كُنْتُ طفلاً، لكنّي تعلّمْتُ بعدها ألّا أكذب، وأنّ الصدق منجاة.

تُرى، وبعد انقراض ظاهرة الضرب الآن في المدارس، هل أجيالنا الحالية أفضل من الأجيال السابقة في التحصيل ومكارم الصفات والأخلاق؟، الرأي لكم.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store