Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

طقطقــــــــــــة

A A
كلمة لها استخدامات كثيرة جداً، وأكثرها شهرة تعنى السخرية، ولكنها تشمل أيضا: الثرثرة، والصراخ، والضرب، وأنواع من الموسيقى، وكلها تنبع من صوت «طق».. وسأعود إلى الطقطقة بعد 102 كلمة من هذه النقطة.

نحن الآن في فترة حصاد جوائز «نوبل»؛ التي تتميز بمكانتها العالمية الرفيعة في مجالات الكيمياء، والفيزياء، وعلم وظائف الأعضاء أو الطب، والأدب، والاقتصاد، والسلام.. وللتذكير فقد وضعها المخترع السويدي «ألفرد نوبل» الذي اخترع الديناميت، ووصف بأنه «تاجر الموت»، فوضع وصيته بتوزيع ثروته الكبيرة لمن «يخدم البشرية» في المجالات المحددة أعلاه.. وقد ترك الجائزة بدءاً من عام 1901 التي تُمنح سنوياً من ملك السويد شخصياً بما يقارب الأربعة ملايين ريال لكل المجالات.

وخلال هذا الأسبوع تم الإعلان عن جوائز الكيمياء لثلاثة علماء.. والعمل المتميز الذين كُرِّموا من أجله له علاقة بالتفاعلات الكيميائية، وهذا ليس بغريب، فالتفاعلات هي في صميم عالم الكيمياء.. ولكن الطرفة هنا هي أن المجال وُصِف بمصطلح Click Chemistry ، وترمز «للطق»، لأنه يشير إلى الدقة في دمج جزيئات بفعالية، ودقة، وسرعة.. ولكن كلمة «كلك» الإنجليزية، كما هو الحال في اللغة العربية، لها العديد من المعاني، ومن أشهرها ما يُطبَّق في عالم الحواسيب، وترجمته «النقر».. أنقر هنا وأنقر هناك.. وكده يعني.. والمعنى الأكثر دقة من وجهة نظري هو «كيمياء الطقطقة».. تخيل دور «الطقطق» في الملابس التي نلبسها، سواء كانت ثياب رجالية، أو عبايات نسائية، أو ملابس أطفال.. يتميز هذا المعنى بالدقة والسرعة والفعالية، وهذا هو جوهر ما قام به العلماء الفائزون.. وهذا ما أكد عليه أكبرهم سناً، وأكثرهم شهرة، وهو العالم الأمريكي «شاربلس» Sharpless، والرجل يستحق وقفة تأمل.. اسمه يتحمل عدة معاني، ومنها «فاقد الحدة»، وهذا بعيداً كل البعد عن قدراته، فهو العالم الوحيد في التاريخ الذي فاز بجائزة نوبل في الكيمياء مرتين، أولهما عام 2001.. يعني قدراته تُمثِّل قمة الحدة في الإدراك، والتفكير، والإنتاج.. وأضيف طرفة أخرى في مجال جوائز نوبل في الكيمياء، ففي عام 2019 فاز بالجائزة العالم «جون جودينوف» John Goodenough ومعنى اسمه «يا دوب»، وهذا اللقب بعيداً كل البعد عن قدراته، فهو من النوابغ.. وكان أكبر الفائزين سناً في التاريخ عن عمر يقارب المائة عام.. وجوائز الكيمياء بالذات فيها صعوبة نظراً لتنوع فروعها، وكثرة الاستكشافات، وتنافس الأفكار والتطبيقات.. قارنها مثلا بجوائز نوبل في السلام، وفوز «مناحيم بيجن» رئيس وزراء الكيان الصهيوني بها عام 1978.. ولا أعلم كيف تمنح جائزة مرموقة دولية للسلام لشخص له سوابق قتل مدنيين.. عجيبة، وغريبة، ومحيرة، ومقززة.. ولكن هذا لا يُقلِّل من شأن هذه الجوائز المرموقة، ومن كونها تُبشِّر متابعيها بالتطورات الرائعة القادمة في مجالي العلوم والتقنية بشكل خاص.. وفي حالة مجال «الطقطقة» الكيميائية لهذا العام، أتوقع أن تتسبب بشكل مباشر في إحداث تطورات هائلة في مجالات رفع فعاليات المستحضرات الصيدلانية للعلاج، وانخفاض تكاليفها، وإحداث نقلات كبيرة جداً في مجال الكشف المبكر الدقيق للأمراض المختلفة.

* أمنيـــــــة:

الحمد لله أن هناك من رفع رؤوس المسلمين والعرب في عالم الكيمياء بالفوز بجائزة نوبل في مجال الكيمياء.. وأشير إلى العالم المصري الراحل البروفسور أحمد زويل الذي حصل على الجائزة في عام 1999.. أتمنى أن نرى المزيد من العلماء المسلمين الفائزين، وخصوصاً أن أهم التحولات في تاريخ عالم الكيمياء كانت على أيدي وعقول علماء العالم الإسلامي بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store