Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

حين لا ينفع الندم..!!

A A
تأثّرتُ كثيراً من قصّة المواطن المُسنّ الذي أُغْمِي عليه بجوار قبر أخيه بعد دفْن هذا الأخير، وعندما فَوَّقَه النّاس وواسوه وذكّروه بأنّ الفناء هو مصير كلّ شيء ويبقى وجه الله ذو الجلال والإكرام، ردّ عليهم أنّه نادم لأنّه خاصم أخاه لمُدّة 20 سنة، فلم يريا بعضهما، ولم يتحدّثا، وقاطعا رَحِمَهُما طيلة هذه المُدّة، ومن المستحيل رجوعه الآن للحياة ليتصالح معه، ويُوفِّي كلٌ منهما حقوق الآخر، وهو قد نَدِمَ حين لا ينفع الندم، وموعد قضيتهما تأجّل ليوم القيامة، حيث سيحكم الله بينهما بميزان العدل، وهو خير الحاكمين.

والدنيا تعجّ بقصص كثيرة عن مثل هذه الواقعة المؤسفة، وليس بين الإخوة والأخوات فقط بل حتّى بين الوالديْن وأبنائهم وبناتهم، والأزواج والزوجات، والأقارب والجيران والأصدقاء، ويمضي بهم قطار العمر وهم متخاصمون، ومُحمِّلِون بعضهم البعض أسباب مشاحناتهم، ومنهم من تجاوز مرحلة الشباب وصاروا على شفا الدائرة التي تفصل بينهم وبين الموت المحتوم، فإذا ما سَوَّفُوا الصلح فلا ريب أنّ الموت لن ينتظرهم كثيراً، وبدلاً من أن تحتويهم غرفات ومجالس الخير ليتصالحوا ويعفوا ويصفحوا، ستحتويهم محكمة العدل الإلهية حيث لا يضيع مثقال ذرّة من خير أو شرّ بين يدي قاضي السماء، ويُحصّلُ ما في صدورهم مع ما اقترفوه تجاه بعضهم البعض، ويُجازون على الحسنة بعشر أمثالها وعلى السيئة بمثلها، والحكم عليهم هو ببساطة: إمّا الجنّة أو النار.

وأنا لسْتُ واعظاً، لكن من يتأمّل مثل هذه القصص، من الرجال والنساء، لا بُدّ وأن يراجع نفسه، ومن يريد الخير لدنياه وآخرته سيأتي بورقة وقلم، أو حتّى بمُدوِّنة إلكترونية محفوظة في الجوّالات، ويُدوّنون فيها قبل نومهم على سُررهم الوثيرة في غرفهم الفاخرة: هذا أخي قد تخاصمت معه، وهذه أختي قد تخاصمت معها، وهذا زوجي قد تخاصمت معه، وتلك زوجتي قد تخاصمت معها، وهذا، وهذه، وذاك، وتلك، من الأقارب والجيران والأصدقاء، وعليّ الصلح الفوري معهم، فلا يعلم أحدٌ ساعته ولو خلال زمن تَرْمُشُ فيه عيونه، ولا يدري هل يستيقظ على سريره أم في قبر ترابي ضيق، ليس معه إلّا عمله، ويا أمان المتخاصمين.

@T_algashgari

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store