Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
محسن علي السهيمي

عبدالمحسن القحطاني.. جسر من الحُب

A A
تابعت عن بُعد -عبر شاشة جوالي- حفلَ التكريم الذي أقامه أدبي جدة بالشراكة مع الجمعية السعودية للأدب العربي؛ احتفاءً بالأستاذ الدكتور عبدالمحسن بن فرَّاج القحطاني، في قاعة شربتلي بمقر النادي، وحضره جمع من الأدباء والمفكرين والمثقفين، وتضمن كلماتٍ للمنظِّمِين وبعض المدعوِّين، وفيلمًا وثائقيًّا وقصائد، وندوة تكريمية قدمتْها قامات ثقافية بارزة. وقد أصدر النادي والجمعية كتابًا عن المحتفى به؛ ضمَّناه بحوثًا ومقالات عن القحطاني، وأطلقا عليه مسمى (جسر من التعب).

في نهاية حفل التكريم، كانت هناك مداخلة للدكتور يوسف العارف، وفيها فضَّل أن يَقرأ عنوان الكتاب (جسر من التعب) هكذا (جسر من الحُب)، وهنا أجدني منساقًا لما ذهب إليه العارف؛ فالقحطاني وإن كان قد أمضى مسيرته على جسر من التعب في مراحل عديدة من حياته الممتدة، وعلى هذا الجسر نضجت وتشكلت مسيرته، وشهد له بذلك مجايلوه وإنجازاتُه الماثلة، إلا أنني أجزم أنها نضجت وتشكلت أيضًا على (جسر من الحُب)، ولكن أي حُب هذا الذي نضجت مسيرته وتشكلت عليه؟، هنا يكمن الفارق؛ فالحب الذي دفع بالقحطاني لتجاوز العوائق وتسجيل الإنجازات هو حُب التغلب على مرارة اليتم، ثم حب التغلب على ظروف الحياة وقسوتها، ثم حب التفوق العلمي، ثم حب العربية وعلومها، وحب العَروض والشعر وإيقاعه وأوزانه وقوافيه، ثم حب الإجادة في التدريس والبحث من خلال الجامعة، ثم حب القُرب من الناس والنزول إليهم وخدمتهم وتسهيل ما استعصى عليهم في الجامعة وخارجها، ثم حب الثقافة بكل معانيها الواسعة وبهائها والعمل لها، والإخلاص في خدمتها من خلال أدبي جدة، ثم حب الأدب والفكر والثقافة بفتحه أبواب منزله العامر واستضافتهم، ليلقوا ما لديهم على مسامع حضور أسبوعيته وتكريمهم. هكذا كانت جسور المسيرة جسور تعب بمنظور الناس، لكنها جسور حب بمنظور القحطاني، ولذلك كان مستوى الشغف لديه عاليًا، فلا غرابة أن يُحصِّل ما حصَّل، ويُنجز ما أنجز، ويحظى بما حظي به من تقديرٍ ومحبة خالصة لدى الآخرين.

يأسرك في القحطاني سعة علمه وأصالة ثقافته، وسمو أخلاقه وقُربه من الناس، تأسرك فيه شهامته وتواضعه، وحكمته ورزانته وجمال منطقه. بحكم طرفية محافظتنا (محافظة العُرْضِيَّات) عن المراكز -ولتقصيري أيضًا- فقد جاءت معرفتي بالقحطاني متأخرة؛ فكان أول لقاء به ليلة افتتاح اللجنة الثقافية بالقنفذة التابعة لأدبي جدة عام (١٤٢٨هـ) -حيث كنت أحد مؤسسيها وعضوًا فيها- فقد حضر هو ومجلس إدارة أدبي جدة -وكان وقتَها رئيسًا له- فكانت ليلة مشهودة للثقافة والمثقفين في القنفذة، ثم كانت له زيارات متكررة للجنة؛ وحضور لفعالياتها الختامية، وفي تلك الفترة كتبت مقالاً ناقدًا عن أدبي جدة، ثم وصلتني دعوة من النادي لحضور معرض الرياض للكتاب على أن يكون الحضور مع الدفعة الثانية، لكن الوقت لا يناسبني، ولما علم العارف اتصل بي وقال لي اتصل على القحطاني ولن يخيِّب ظنك، فخشيت ألا يقدِّم لي حلًّا (بسبب المقال الناقد).. لكنني اتصلت، فرحب كثيرًا وقال الوقت كله لك وأنت تُؤشر ونحن ننفذ، وغيرها من كلمات الترحيب والإطراء، فأخجلني بموقفه ذلك، ولبى طلبي، فكنت في الدفعة الأولى. وبعد أن تنحى عن أدبي جدة كان يتابع فعاليات اللجان الثقافية التابعة للنادي، ومنها اللجنة الثقافية بالعُرضيات التي شرُفت برئاستها لفترة واحدة، فكان يتابع فعالياتها، وكنت أُرسل له بعض أخبارها، فكان يثني عليها بما تستحقه. وذات مساء كانت لي وللدكتور العارف أمسية شعرية في اللجنة الثقافية بخليص التابعة لأدبي جدة، وقبل أن تبدأ الأمسية بقليل تفاجأنا (الشاعران والحضورُ) بإطلالة القحطاني وحيدًا، وهو ما جعلنا نقدر له هذا الحضور الذي طوَّق به أعناقنا. هنيئًا للقحطاني هذا الحب والثناء وهذه الأجيال الوفية من الأدباء والمثقفين من مجايليه وطلابه.

abuebrahem635@

Mashr-26@hotmail.com

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store