Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
طارق علي فدعق

محـــارم

A A
أعاني من حساسية نفسية من المحارم الورقية في الفنادق، وأتفادى استعمالها، لأنها تذكرني بلحظات تاريخية مؤلمة، وهي إتمام سقوط القدس الشريف في أيدي السلطات الإسرائيلية.. وإليكم بعض التفاصيل: عند قيام حرب 1948 بين الدول العربية والكيان الصهيوني، دارت معارك ضارية حول القدس؛ بين القوات العربية بقيادة جيش الأردن من جانب، والقوات الإسرائيلية من جانب آخر، وانتهت بسقوط نصف المدينة الغربي في أيديهم.. وتم تقسيم زهرة المدائن على هذا الأساس.. يعني ولدت فكرة تقسيم القدس، لتكن الشرقية والبلدة التاريخية في يد العرب، والقدس الغربية في أيدي الكيان.. وفضلا الملاحظة أنه لا توجد أسس تاريخية، ولا جغرافية، ولا عرقية، ولا سياسية، لتقسيم نصفي المدينة المقدسة إلى شرقية وغربية. وكان التقسيم على يد القائد العسكري عبدالله التل من الجانب الأردني الشقيق والقائد العسكري «موشيه دايان» من الجانب الآخر. ودعونا نعود بالعداد الزمني إلى يونيو 1967 عند قيام الحرب في 5 يونيو الذي سقط فيه بيت المقدس بأكمله في أيدي القوات الإسرائيلية. حيث تم ضم الجزء المتبقي في فلسطين إلى الكيان، وضم المدينة رسميا إلى البلدية الصهيونية برئاسة «تيدي كولك».. ولتأكيد موضوع تمسكهم بالقدس بأكملها، جاء إعلان الكنيسيت في جلسة 28 يونيو 1967 أن القدس «الموحدة» هي العاصمة الأبدية للكيان.. واحتجت الدول العربية، والعالم الإسلامي، وكل ذرة في فلسطين، وقام المجلس البلدي المقدسي بقيادة رئيس بلدية القدس الأستاذ «روحي الخطيب» بتقديم الاحتجاج الرسمي على إعلان الضم غير القانوني للمدينة العربية إلى الكيان الصهيوني. وفي 29 يونيو تم استدعاء كامل المجلس البلدي المقدسي بقوة السلاح إلى فندق «جلوريا» في القدس، وتم إخطارهم بأن خدماتهم غير مرغوبة فيها، وأن المجلس قد تم إحلاله، حيث إن هناك مجلسا بلدي إسرائيليا للمدينة. واحتج الأستاذ روحي الخطيب على هذا الإجراء قلبا وقالبا، وطالب بوثيقة قانونية لتبرير هذا التعسف. وهنا قام «ديفيد فرهي» مساعد الحاكم العسكري للقدس بكتابة قرار حل المجلس البلدي المقدسي العربي على إحدى المحارم الورقية في الفندق، وتم تسليمها لرئيس المجلس في حركة تتعمد الإهانة والتحقير.. تخيل أن تدوين هذا القرار الذي غيَّر تاريخ القدس جاء على محارم فندق.. أكيد أن هناك أخلاقيات أغرب من هذه، ولكن هذه مدينة مقدسة مفروض أن تكون لها مكانة للبشرية بأكملها.. طبعا لا يخفى على الجميع أن القدس مرت بتجارب مريرة على مدى تاريخها، وأنها قاومت أناس أكثر قسوة وسفاهة من معظم مدن العالم.

* أمنيــــــــة:

كنتُ أُكرِّر لطلبتي أن القدس من أفضل مدارس العمران في التاريخ، لأن قصصها لا تقتصر على التصميم والبناء فحسب، فهي تتناول الحضارة بجميع أبعادها المختلفة.. من الجغرافية، والتاريخية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والنفسية.. وما جاء أعلاه يضيف الجوانب الأخلاقية أيضاً، حتى وإن كُتِبَت على المحارم الورقية. أتمنى أن لا ننسى كل هذا، فهو من مكونات تاريخ؛ جدير بذاكرتنا بتوفيق الله عز وجل، وهو من وراء القصد.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store