Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

الفخ الأوكراني.. وأحلام واشنطن !

A A
أخذت احتمالات استخدام القنبلة النووية في الحرب القائمة بأوكرانيا تتضاءل، خاصة وأن الصين عبَّرت عن معارضتها لاستخدام النووي في حرب أوكرانيا، وذلك خلال زيارة المستشار الألماني، أولاف شولتس، للصين مؤخراً. وتطور الهجوم الروسي ليصبح هجوماً دفاعياً للمحافظة على المكاسب التي حققها حتى الآن داخل الأراضي الأوكرانية. ويتم تداول أخبار عن استعداد القوات الروسية مغادرة بعض المناطق التي انتشرت فيها سابقاً. وأعتقد أن موسكو اكتشفت أن التحدي الذي أظهره الغرب لها بأن تدخل قواتها أوكرانيا إن كانت جادة في تهديداتها لنظام كييف، وذلك في بداية المعارك، كان يستهدف إيقاع القوات الروسية في مصيدة داخل أوكرانيا، حيث سارع الغرب إلى إرسال المعدات والأسلحة الحديثة والخبراء إلى أوكرانيا، لتنظيم مقاومة أوكرانية قوية جداً حالما دخل الروس الأراضي الأوكرانية. وتحولت المغامرة الروسية إلى كابوس كبير استغلته أمريكا للإعلان عن نواياها الهيمنة على العالم اقتصادياً وسياسياً، واستخـدام كل الوسائل، بما فيها العسكرية، لتحقيق ذلك. أصبح الغرب، وخاصة أمريكا، يعتبر أن أوكرانيا هي المعيار الذي يتم به الحكم على جميع جوانب العلاقات الدولية لدول العالم. ويرى أن على الدول الاصطفاف إلى هذا الجانب أو ذاك في الحرب القائمة بأوكرانيا. بينما خيبت معظم دول العالم رغبة أمريكا هذه، خاصة في آسيا وإفريقيا والهند، الذين لا يتقبلون القول بأنهم بحاجة لإعادة تقييم حساباتهم الإستراتيجية، وإعادة هيكلة جزء كبير من سياساتهم الخارجية بسبب الحرب الأوكرانية. ودعا حلف الناتو خلال آخر اجتماع له، شهر يونيو، كل من أستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية للمشاركة في لقاء الحلف العسكري لأول مرة. وتسعى أمريكا إلى توسيع شبكة حلفائها بالإضافة إلى أوروبا وكندا واليابان وأستراليا. وهناك اتجاه غربي لزيادة الاعتماد على مجموعة السبع (G7) وتوسيع عملها، ومن المرجح أن يتم إلحاق بعض الدول الآسيوية إليها. وأعلنت دول مجموعة السبع (G7) في قمتهم خلال شهر يونيو عن صندوق بمبلغ 600 بليون دولار للمساهمة في مشاريع إنمائية في دول العالم.

ويبدو أن هذا الصندوق خطوة لأمريكا والغرب لمواجهة مشروع الصين (الحزام والطريق)، والذي أطلقته عام 2003 وتقدر استثماراته في مشاريع دولية متعددة بحوالى 4 تريليونات دولار. ويشعر الأمريكيون بأن دول العالم أخذت تفقد ثقتها بهم، ولا يرغبون في دخول محورها. وفي المقابل تسعى الصين، وروسيا، إلى دعم اقتصادها بالتعاون مع شركاء اقتصاديين مثل دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا)، وأصبحت هذه المجموعة جذابة لعدد من الدول، وطلبت الصين من السعودية المشاركة فيها، وكذلك الأرجنتين وكازاخستان ومصر والإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا، ونيجيريا، والسنغال، وتايلاند. مما يُهدِّد بانحسار المد الأمريكي الاقتصادي للعالم.

المبدأ الذي تقوم عليه الرغبة الأمريكية في إقامة نظام عالمي تحت رعايتها، دخلت عليه عدة شوائب خاصة مؤخراً، أي في السنين القليلة الماضية، بطغيان المتطرفين من اليمين واليسار على السياسة الأمريكية، ودخول البلاد في صراع أيديولوجي خطير، أدخلت فيه حقوق الأقليات والأكثرية في حلقة من المواجهة؛ أدت إلى إلغاء القيم والمثل بشكل كامل، وإحلال توجهات لا تقبل بها شعوب العالم. ويمثل هذا الوضع الأمريكي الداخلي، وأيضا تأثر بعض المجتمعات الغربية الأخرى به، خطراً على الغرب، وتحدياً للمفكرين والسياسيين فيه. كما أنه يجعل بالنسبة للكثير من الدول، الانتقال من الحياد بين القوى العظمى إلى الاصطفاف إلى الغرب بقواعده الجديدة غير مأمون ولا مرغوب، مما يتطلب إعادة دراسة ما يمكن لأمريكا تحقيقه على المستوى العالمي، لا مجرد ما ترغب في تحقيقه. وأن يتوقف الساسة الأمريكيون عن استعراض عضلاتهم على العالم. ويتجهون إلى إصلاح أمورهم، ويسعون إلى إعادة ثقة الشعوب ودول العالم الأخرى بهم، خاصة في إفريقيا وآسيا.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store